لابدّ من نهضة الشّعب

لابدّ من نهضة الشّعب

إنّ النّهضات الفكريّة التي عرفها التاريخ لم تخطّط لها الحكومات، بل كانت في الغالب عمل نخبة من الشعب حملوا هم الحاضر والمستقبل.

فالشّعوب السّعيدة يقودها أبناؤها الصّادقون نحو المجد، ويتكاتف مواطنوها المخلصون لدفعها نحو الرّقي، لتسودها روح المحبة ونكران الذّات من أجل تحقيق المصلحة العامة على حساب المصلحة الخاصّة، فأمام مصلحة الوطن تهون تضحية أفراد المجتمع بكل مصالحهم الذّاتية، وإزاء سعادة الشّعب تتلاشى جميع الرّغبات في سبيل نهضة تتمّ له سعادته.

والشّعوب التي تسعد بهذه الخصائص الإنسانية الراقية تستطيع أن تكوّن ذاتها وأن تعلي مكانتها وأن تحافظ على كرامتها، وبالتالي تتمكّن من فرض وجودها في المجتمع العالمي بما ستحقّقه من منجَزات رائعة تواكب طموحاتها في التقدّم وتتناسب مع جدّيّتها في العمل ونهجها في الحياة، وينعكس ذلك إيجاباً على واقعها ليضعها في موكب الشّعوب السائرة نحو التطور وبناء الحضارة.

والشّعب اليمني يُعتبر من أبرز الشّعوب المعروفة بتاريخه العريق نهضةً وحضارةً بلغت أصقاع الأرض، يمتلك مقوّمات تمكّنه من النهضة والتقدّم  في مدّةٍ محدودة إلى الأمام، فما الذي يُعيقه اليوم من شقّ طريقه باقتدار، مودّعاً الصّفوف الخلفية ليزاحم مواكب التّطور، وليكون له حضوره المرموق في عصرٍ لا يعرف سوى التقدم، لابدّ من عودة ذلك التاريخ الزاخر الذي حقّق وجوده بطرقٍ متنوّعة ومن خلال أفكار بنّاءة، ممّا جعله مثار إعجاب واسع لكلّ تلك الأمم إبان حضارته التي تحمل في مُجملها الانبهار بما حدث والإكبار لما تمّ.. 

وإشارةً إلى مدى حيوية هذا الشّعب العامل وما يزخر به من طاقات عمل قادر على تفعيلها، وعلى قدرات سيوظّفها لصالح مجتمعه وبناء وطنه.

يجب أن يدرك هذا الشّعب الطّموح أنّه أمام حضارة معاصِرة لا تنتظر المتخلّفين، ولا تلتفت إلى القاعدين والنّائمين، وأنّ أفراد مجتمعه أمام امتحان عسير، ونتيجته حتميّة: نجاح أو فشل، تقدّم أو تأخّر، فالنّجاح يقود الشّعب إلى الصّعود، والفشل ينتهي به إلى الهبوط، وهو أمام مفترق طرق تحفّه أخطار وتحيطه عَقَبات، فمن تجاوز ذلك فقد استطاع الاهتداء إلى مقاصده وبلوغ أهدافه، ومن تعثّر وانكفأ على ذاته صار مصيره التخلّف.

وإزاء هذه المواقف الصّعبة كان لزاماً على الشّعب اليمني امتحان سباق مع الزّمن وتنافس مع الأمم المتقدّمة، لابدّ من تصميمٍ يحقّق الفعل لا الوقوف فقط عند ردّة الفعل، واجب اليوم هو تخلّي أفراده عن الاتّكال للغير، والتّخلي عن راحتهم وتسخير أوقاتهم لمواصلة العمل، لابدّ أن يرَوا أنفسهم  في غمار العمل المتواصل والأداء المُتقن، وإقحام تطلّعاتهم بالدّخول إلى عالم الإنتاج وبروزهم فيه، والتكيّف مع العصر بكلّ ما يعنيه من تطوّر وتفوّقٍ في جميع الميادين وفي مختلف المجالات، كي تحقّق لهم تكوين أسُس التطلّع للنّهضة الحديثة التي لابدّ أن تُبنى بسواعدهم المتينة ويغرسوا جذورها بأفكارهم الواعية، حتى تكون المحصّلة النهائية للجهد المبذول والعطاء المستمرّ جني ثمار ما سيغرسونه ويسعدوا بما سيعيدون بناءه من مجدٍ وبما أسّسوه من تقدّم، ولن يأتِ ذلك من إهمالٍ وإنّما من ثمرة جهودٍ متكاتفة ومتاعب مكثّفة، ومواصلةٍ حثيثة لصعود درجات سلّم الرّقي بوثبات واسعة، وهذا ما فعله الأوّلون في سباقهم مع العصر ومزاحمتهم للمراتب المتقدّمة.

نحن لن تعجزَنا الأحداث عن بناء حضارة شامخة على أطلال الدّمار الذي حلّ بنا في حرب طاحنة جرّدَتنا من حرّيتنا وفرضت علينا وضعاً مهيناً قيّد خطواتنا ومزّقت من وحدتنا.

 هذا الشّعب المكافح وإن سلّم بالهزيمة فإنّه لم يستسلم لها ولم يقبل الوصاية التي فُرضت عليه بسببها. بل علينا جعل واقعنا ينقلب من جمودٍ في الحرب إلى انتصارٍ يتبعه نهضة في السّلم، فحانت لنا الفرصة في ردّة الفعل حافزاً للتقدّم ومنطلقاً لآماله ودافعاً للتطلّعات ومحقّقاً للطّموحات، فالشّعب اليمني العظيم يستنكف أن ينحني للمهانة وأن يستكين للخذلان، وأن يظلّ يتجرّع مرارة الهزيمة دون أن توقظه أحداث اليوم لبناء نفسه من جديد، ولابدّ له أن يستشعر أنّ عليه أن يحشد كلّ إمكاناته المادّية وطاقاته البشريّة، فيستعيد قوّته كلّها بأفضل مما كانت عليه من قبل، وأن يحقّق وجوده بفرض احترامه على الأعداء قبل الأصدقاء، فكان لزاماً عليه صنع ذاته بمفهوم جديد ويكرّس حياته لمواجهة واقعه المعاصر.

وعليه أن يتقدّم الآن إلى العالم بنهضةٍ عارمة تتخطّى كلّ العقبات وتجتاز جميع الحواجز النفسية والمادّية، ولابدّ أن يرتفع بجراحه فوق اجترار معاناة الماضي القاتم والتفكير فيه دون التغلّب عليه، لذا وجب أن تحوّله ردّة فعل الواقع إلى حركة صامدة، وإلى شعلة مُتوقّدة في العزيمة وإرادة حاسمة في التغيير، وبهذا التحوّل المنتظَر سيثبت الشعبُ ثقته بذاته ليبدأ كفاحه بفاعلية أكبر وبتصميم أشدّ.

 فتحلّ نظرة الأمل محلّ مظهر العبوس، والتحفّز للعمل محلّ الإحباط، وأن تنطوي على ثقة كبيرة بأنّ عليه – كشعب مكافح – أن لا يقف عند حدّ البكاء على واقعه المتردّي، وإنّما عليه أن يُشارك في صنع الحاضر الذي يحب أن يعيشه، ومن خلال هذه الرّؤية المستنيرة سترتسم على محيّاه ابتسامة الظفر لتفتح أمامه المستقبل الواعد، وبهذه الرّوح المتحفّزة للنهوض والإصرار على بلوغ أعلى مراتب النهضة في عصر يموج بألوان التقدم والتقنيات سيثبت وجوده بين الشعوب المتطوّرة .

 ولنا أن نفكّر كيف تحوّلت الأمّة اليابانية المغلوبة في حرب استُخدمت فيها القنبلة الذرية من الأسى على ما حدث إلى أن تقفَ بقدميها على أرضٍ صلبة في مواجهة التيار الحضاري الكاسح؟، وكيف استطاع الصّمود نحو قمّة التطوّر في سنوات معدودة؟ وكيف تغلّب على الصعوبات التي واجهته والعوائق التي كانت تقف في طريقه حتى حقّق هذه المنجزات الضخمة التي نشهدها في واقعنا؟ وكيف استطاع كذلك أن يتقدّم الصّفوف الأمامية في النهضة الحاضرة؟!

كلّ هذه التساؤلات المطروحة تجيب عليها الإرادة الرائدة والثقة الفاعلة، وأنّ البناء الذي تهدّم يمكن أن يُعاد بناؤه بالإرادة إذا وُجدت.

يستطيع الشّعب اليمني التّغلب إلى هذا المستوى بتخلّي أفراده عن الفردية، والتّضحية في سبيل المصلحة العامة والارتفاع فوق الأنانية التي تحكم تصرّفات كثير من أفراده التي لاتزال تعاني من التخلّف والانقسام. على عكس ما صنعه في ماضيه العريق الذي قام بناؤه على التعاون المثمر والتفاني في الأداء المنتَج، والصّبر على المتاعب ومواجهة الصّعوبات، يستطيع الشّعب اليمني بحيويته وتعاونه وتفانيه أن يكون نموذجاً رائعاً في مسار نهضته المرتَقَبة، ومثالاً يُحتذى في الحضور الذاتي المنظور بين المجتمعات، وليس صعباً عليه أن يحوّل السلبيات إلى ايجابيات بدءاً من توحيد صفّه والنّظر بعمق لمستقبله الذي يتمناه من إعادة إشادة صرح حضارته الإنسانية التي امتدّت قديماً على مساحة واسعة من العالَم كله وموضع احتفاء غير محدود. ممّا رفع اسم الشّعب اليمني ماضياً بما حقّقه من إنجازات حضاريّة ممّا أهّله بجدارة ليتبوأ الآن مركز الصّدارة بين الشعوب المتقدّمة في هذا العصر المتطوّر.

وليس مستحيلا عليه مطلقاً..

 فله في كل نهضة عربية يد وفكر.  صنعها حين سنحت له الفرص.. 

وهو الأجدر في صناعة نهضة وطنه.

هاجر قاسم هيثم الحجيلي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top