حكمة التشريع ودقّته دليل على صلاحه

حكمة التشريع ودقّته دليل على صلاحه

كلمني أحد الغيارى عن أعداد ليست بقليلة ممن يلتقيهم من الشباب يطرحون العديد من الشبهات في التشريع، وتحدث عن مكر الأعداء ومخططاتهم الخبيثة وعن جلدهم الشيء الكثير، – ولو أني لا أستبعد مثل هذه الأسباب – فالعدو لا يريد لخصمه خيراً، غير أني أجد أنها حالة طبيعية -ولو أنها تدمي القلب- لما نعيشه في هذا العصر من ثورة رقمية هائلة، قرّبت البعيد، وفتحت للناس آفاقاً واسعةً من الحرية، وقال مَن شاء.. ما شاء، وكما هو الحال في مثل مجتمعاتنا، فإنك تجد مَن يلتقط هذا الانفتاح بإيجابية ويرى فيها فرصةً سانحةً لكل مفيد؛ فكذلك تجد مَن لا يُحسن التعامل مع هذه الآفاق إلا بما لا فائدة منه، إن لم يكن بما يعود عليه بالضرر.

وعلى أيِّة حال فقد وصلت لشبابنا من هذه الأصوات المسيئة، وبغض النظر عن الأسباب والدوافع، فإنها سببت لدى بعضهم خللاً ذهنياً معيناً، يحتاج لتصويب ونصح.

الإعجاز العلمي في التشريع الإسلامي

ولمّا عزمت أن أبذل من النصح شيئاً، وأن أحشد مجموعة من الأدلة على الإعجاز العلمي في التشريع الإسلامي لأستشهد به على أن هذا الشرع الحنيف القويم من لدن حكيم خبير، أنزله على الصادق الأمين، وهو بذلك أعظم من أن يتم المِساس به، أو التشكيك في عظمته؛ فقد استوقفني كثيراً ذلك الرجل الذي صليت بجانبه، والظاهر أنه قد أكل ما يجعل رائحة الفم فوّاحةً بما يسوء جواره من المصلين، وتذكرت حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيما صحّ عنه: ” مَن أَكَلَ مِن هاتينِ الشَّجَرتينِ الخَبيثَتينِ-الثوم والبصل-، فلا يَقربنَّ مَسجِدَنا”، وقلت في نفسي: سبحان الله.. أليس في مثل هذا الأمر -على دقته وبساطته- عبرةً لمَن كان له قلب؟!! 

ذلك النبي العظيم الذي يتم التشكيك بما جاء به من عند ربه سبحانه وتعالى، ينظم شرعاً متكاملاً بديعاً في كل مجال الحياة بدءاً من شؤون الحكم والحكام، وصولاً إلى ذلك الرجل الذي أكل أطعمة آذى برائحتها جواره من المصلين!! 

 بل أكثر من ذلك فهذا التشريع الحكيم يجعل أخذ الزينة أثناء تلك الصلاة أمراً واجباً، فيقول ربنا سبحانه وتعالى: ” يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ” [الأعراف:31].

 إن هذا التشريع العظيم أحرى أن يُجلَّ ويُقدَّر لا أن يُجحد أو يُنكر أو يُشكك فيه.

وعلى حدِّ قول القائل: إن الإعجاز الذي يمكن أن تلحظه في الفيل؛ فإن باستطاعتك أن تلحظه في النملة.

 فإنني أرى أن في هذه الأدبيات البسيطة الرفيعة التي أشار إليها الشارع دليلاً واضحاً على صواب الشريعة.

وإليك شطراً من هذه الذوقيات التي أشار إليها الشارع الحكيم زيادة في استشعار المعنى، وتوضيحاً له:

ائتلاف قلب الجماعة

هذه الآداب تجدها في علاقةٍ أكثر عدداً من سابقتها، فلو كان الأمر مرتبطاً بثلاثة أشخاص يسيرون معاً، فيحرم أن يتناجى اثنان دون الثالث، لأن ذلك سيؤدي لكسر خاطره، ودفعاً لظن السوء، وحفاظاً على هذه العلاقة نقيةً دون أي شائبةٍ تشوبها، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِذَا كَانُوا ثَلاثَةً فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ” متفق عليه، وأيُّ عظمة هذه التي تراعي نفس الفرد في المجتمع كلَّ هذه المراعاة، وتحرص على ائتلاف قلب الجماعة مهما كان عددها!

طلب الخطاب بأحسن الألفاظ

تجدها أيضاً في طلب الخطاب بأحسن الألفاظ ليس فقط بين المسلمين بل لكل الناس، قال سبحانه وتعالى: “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا” [البقرة:83]. 

وغير ذلك الكثير من الأمثلة -التي لم يكن القصد من سردها الإحصاء والعدَّ- والتي تبرهن على هذه القضية، وتسترعي الانتباه حقاً، والتي في التأمل فيها تجد صوابية هذا التشريع وكرامة هذا الدين الذي شرَّعه الله سبحانه وتعالى كاملاً تاماً وارتضاه للعباد، فقال: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا” [المائدة:3].

إني أعتقد أن هذه الموجة من الإلحاد التي تحدث عنها صديقي، ما هي إلا تعبير خاطئ عن حالة الإحباط الذي يعانيه شبابنا في هذه الأيام في سائر بلاد المسلمين وحالة البلاد المتردية -الاقتصادية والسياسية والفكرية …-.

وأعتقد أيضاً أنه من الواجب الالتفات إلى هذه الصيحات، والاستماع لأصحابها عن قرب، والاقتراب من أصحابها ومعالجة همومهم، فهم أمل الأمة المنشود، ومعقل لوائها المعقود.

أ. عصام الصبيحي

1 فكرة عن “<strong>حكمة التشريع ودقّته دليل على صلاحه</strong>”

  1. د/عبيرالمنشاوي

    نعم دقة التشريع ااكثير من الشباب يتعذب وينشد الراحة فى مل ما يغزو عقله من الثقافة الغربيةالتى تستهدف سيولته ويغفل عن أن الحل فى منهجه مثل قول الرسول(صلى الله عليه وسلم:-يا معشر الشباب منإستطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يسطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)
    فيتغافلون ويختلطون ويتعذبون ولا يغضون بصراولا بعطمون أمرا
    لابد من فتح حوار معهم لأنهم الأمل ومحاولة تنوير بصيرتهم بروعة ودقة (الكاتالوج)مفتاح التشغيل للإنسان الذى وضعه خالقة مثلما يقرئون دليل عمل أى جهاز
    والله المستعان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top