يعدّ إصلاح النظام القانوني والقضائي في سوريا أمرًا ضروريًا لتعزيز سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان وبناء سلام دائم خاصة أثناء الصراع، حيث يتعرض النظام القانوني والقضائي الحالي في سوريا لانتقادات واسعة النطاق لافتقاره إلى الاستقلالية والشفافية والمساءلة، فضلاً عن تفشي الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان. سيادة القانون ضرورية لبناء السلام والحفاظ عليه في أي مجتمع، بما في ذلك سوريا. ومع ذلك، تسبب الصراع السوري في دمار ونزوح وصدمات واسعة النطاق، مما يجعل من الصعب إنشاء إطار قانوني قوي.
لإصلاح المنظومة القانونية والقضائية أثناء الصراع، يمكن اتخاذ عدة خطوات، منها:
تعزيز استقلال القضاء:
يجب أن يكون القضاء السوري مستقلاً عن التأثير السياسي والضغوط الخارجية الأخرى، يجب تعيين القضاة والمدعين العامين من خلال عملية شفافة وقائمة على الجدارة، بالإضافة إلى ذلك، يجب حماية القضاة والمدعين العامين من أي شكل من أشكال الانتقام أو المضايقة لقراراتهم، وإنهاء تغول السلطة التنفيذية على المؤسسة القضائية.
تعزيز سيادة القانون وقت الصراع:
يقوم مفهوم سيادة القانون على فكرة أنه لا يوجد أحد فوق القانون، وأنه يجب تطبيق القانون بشكل نزيه ومتّسق. إنها ضمانة مهمة ضد الفساد وإساءة استخدام السلطة، وهي ضرورية لتعزيز الشفافية والمساءلة وحماية حقوق الإنسان. إن سيادة القانون هي مبدأ يشير إلى فكرة أن الجميع، بما في ذلك الحكومات والقادة، يخضعون للقانون ويجب أن يلتزموا به. إنه جانب أساسي من جوانب المجتمع الديمقراطي وهو ضروري لضمان حماية حقوق الإنسان وحل النزاعات بالطرق السلمية وتحقيق العدالة.
تتطلب سيادة القانون أن تكون القوانين واضحة وقابلة للتنبؤ بها ومطبقة بالتساوي على جميع الأفراد، بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي أو انتماءاتهم السياسية. كما يتطلب أن تكون الإجراءات القانونية عادلة ونزيهة، وأن يُفترض أن الأفراد أبرياء حتى تثبت إدانتهم. في الممارسة العملية، يمكن دعم سيادة القانون من خلال مجموعة متنوعة من الوسائل، بما في ذلك إنشاء سلطة قضائية مستقلة، وإنفاذ الحماية القانونية والدستورية، وتوفير المساعدة القانونية والدعم لأولئك الذين وقعوا ضحايا.
إصلاح القوانين والأنظمة وقت الصراع:
الإطار القانوني الحالي في سوريا قديم وغير ملائم، ويفتقر إلى العديد من الضمانات الضرورية لحماية حقوق الإنسان وتعزيز العدالة، يجب تحديث المنظومة القانونية لتتوافق مع المعايير الدولية وضمان حماية حقوق الإنسان. ويشمل ذلك التصديق على المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، والإصلاحات المتعلقة بالقانون الجنائي والقانون المدني والقوانين الأخرى المتعلقة بالقضاء العادي والإداري، بما فيها قانون السلطة القضائية وتعديلاته الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 98 لهام 1961. وإعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى وإبعاده عن هيمنة السلطة التنفيذية بما في ذلك رئيس الجمهورية، وتوسيع عدد أعضائه ليشمل قضاة ومدعين من القضاء الإداري، وأعضاء من هيئة التدريس الذين يعملون في الفروع القانونية لمؤسسات التعليم العالي، والمحامين، وأن يتم اختيار أغلبية أعضائه بالانتخاب من القضاة أنفسهم، ومن مجلس الشعب، ويمكن لرئيس الجمهورية اختيار عدد محدود من أعضائه.
تحسين البنية التحتية لنظام العدالة:
تسبب الصراع السوري في إلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية للبلاد، بما في ذلك المحاكم والسجون والمؤسسات القانونية الأخرى. إن إعادة بناء هذه البنية التحتية أمر ضروري لاستعادة سيادة القانون وتعزيز الاستقرار، لذلك يحتاج نظام العدالة السوري إلى تحديث وترقيات تكنولوجية، بما في ذلك رقمنة سجلات المحاكم، وحفظ القضايا، والوصول إلى الموارد القانونية عبر الإنترنت. بالإضافة إلى ذلك، فإن البنية التحتية المادية للمحاكم بحاجة إلى تحسين، بما في ذلك بناء قاعات المحاكم الجديدة والمرافق وزيادة عدد القضاة وإصدار تشريعات تلزم المحاكم بالإسراع في الفصل بالدعاوى بأسرع وقت ممكن، وإدخال نظام إلكتروني لتوزيع الدعاوى على المحاكم والابتعاد عن الانتقائية في توزيع هذه الدعاوى بناء على رغبات الخصوم مما يوفر توزان في هذا التوزيع وعدم تراكم الدعاوى في محاكم معينة على حساب أخرى.
تعزيز التعليم والتدريب القانونيين:
لضمان أن المهنيين القانونيين في سوريا مجهزون للتعامل مع متطلبات النظام القانوني الحديث، يجب تحسين التعليم والتدريب القانونيين. يمكن تحقيق ذلك من خلال تطوير مناهج قانونية أفضل وتوفير التدريب للقضاة والمدعين العامين والمحامين في مجالات مثل حقوق الإنسان والقانون الدولي وحل النزاعات بالطرق البديلة. وبالرغم من إنشاء المعهد العالي للقضاة بموجب القانون 23 لعام 2013، إلا أن طاقته الاستيعابية ما تزال محدودة جداً ولا تلبي الحاجة المتزايدة لقضاة جدد إضافة إلى قصور في التدريب والمناهج الدراسية والممارسة العملية.
تعزيز الوصول إلى العدالة وقت الصراع:
يعد الوصول إلى العدالة جانبًا حاسمًا في أي نظام قانوني. يجب أن يكون النظام القانوني والقضائي السوري في متناول الجميع، بما في ذلك الفئات المهمشة، مثل النساء والأطفال واللاجئين. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تقديم المساعدة القانونية لمن لا يستطيعون تحملها. وزيادة عدد المحاكم والقضاة، وإنشاء عيادات مساعدة قانونية وآليات بديلة لتسوية المنازعات.
محاربة الفساد والصراع:
الفساد مشكلة كبيرة في نظام العدالة السوري، ومكافحته ضرورية لضمان الشفافية والمساءلة وثقة الجمهور في النظام القانوني. يمكن تحقيق ذلك من خلال تدابير أقوى لمكافحة الفساد، بما في ذلك إنشاء وكالة مستقلة لمكافحة الفساد.
إنشاء نظام للمساءلة ومكافحة الإفلات من العقاب:
يجب محاسبة مرتكبي الجرائم الجسيمة التي ارتكبت خلال النزاع في سوريا بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية من خلال إنشاء محاكم خاصة لمحاكمة جميع من تلطخت أياديهم بدماء الشعب السوري. إن إنشاء نظام للمساءلة لن يحقق العدالة للضحايا فحسب. بل سيكون أيضًا بمثابة رادع ضد انتهاكات حقوق الإنسان في المستقبل وسيساهم في تعزيز سيادة القانون وبناء سلام مستدام.
تعزيز مؤسسات إنفاذ القانون:
يجب بذل الجهود لتقوية المؤسسات المعنية بإنفاذ القانون في سوريا، بما في ذلك الشرطة والضابطة القضائية وإدارات السجون ووكالات إنفاذ القانون الأخرى. ويمكن القيام بذلك من خلال برامج التدريب وبناء القدرات، وكذلك من خلال توفير الموارد والدعم.
الانخراط مع المجتمعات:
يمكن أن يساعد الانخراط مع المجتمعات وتعزيز الحوار في بناء الثقة وتقليل التوترات. وقد يشمل ذلك إنشاء آليات مجتمعية لتسوية المنازعات أو إجراء مشاورات عامة حول الإصلاحات القانونية.
بناء الثقة:
بناء الثقة بين المؤسسات القضائية ومؤسسات إنفاذ القانون والشعب أمر ضروري لكي تكون سيادة القانون فعالة. يمكن القيام بذلك عن طريق التأكد من أن النظام القانوني شفاف وحيادي ومتاح للجميع. بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي أو انتماءاتهم السياسية.
الاستثمار في التعليم:
تثقيف السكان حول حقوقهم ومسؤولياتهم القانونية أمر ضروري لتعزيز سيادة القانون. ويشمل ذلك توعية الناس بأهمية احترام القانون وعواقب انتهاكه.
يعد إصلاح القضاء والنظام القانوني عملية معقدة وصعبة. لكنها ضرورية لضمان العدالة وحماية حقوق الإنسان وخطوة حاسمة لبناء سلام مستدام في سوريا. إنه يتطلب التزامًا واستثمارًا طويل الأجل، لكن الفوائد ستكون كبيرة للشعب السوري ومستقبل البلاد.
إلى جانب ذلك، هناك العديد من أصحاب المصلحة الذين يمكن أن يلعبوا دورًا مهماً في إصلاح النظام القانوني والقضائي في سوريا، مثل:
الحكومة السورية المقبلة:
تتحمل الحكومة السورية المسؤولية الأساسية عن ضمان استقلال وسلامة النظام القانوني والقضائي في البلاد. يمكنها اتخاذ خطوات لتعزيز استقلال القضاء، وإصلاح القوانين واللوائح، والاستثمار في البنية التحتية للنظام القضائي. يمكنها أيضًا تخصيص الموارد للتثقيف والتدريب القانونيين ومكافحة الفساد داخل النظام.
المنظمات الدولية:
يمكن للمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية ورابطة المحامين الدولية ونقابة المحامين السوريين والأكاديميين والخبراء القانونيين الوطنيين والدوليين تقديم المساعدة الفنية والدعم لإصلاح النظام القانوني والقضائي في سوريا. يمكنهم تقديم الخبرة حول أفضل الممارسات للإصلاح وتقديم التمويل لدعم العملية.
منظمات المجتمع المدني:
يمكن لمنظمات المجتمع المدني، بما في ذلك مجموعات حقوق الإنسان ومنظمات المساعدة القانونية ونقابات المحامين. أن تلعب دورًا مهمًا في الدعوة إلى إصلاح النظام القانوني والقضائي في سوريا ومراقبة انتهاكات حقوق الإنسان. يمكنهم أيضاً الضغط من أجل الإصلاحات، ورفع مستوى الوعي العام بالقضايا القانونية، وتقديم المساعدة القانونية لمن يحتاجون إليها.
إن دعم هذه المنظمات وحمايتها أمر بالغ الأهمية لبناء مجتمع أكثر عدلاً وسلمًا.
الدول المانحة:
يمكن للدول المانحة تقديم الدعم المالي لإصلاح النظام القانوني والقضائي في سوريا. يمكنهم تمويل برامج لتعزيز استقلال القضاء، والاستثمار في التثقيف والتدريب القانونيين، ودعم إنشاء آليات بديلة لتسوية المنازعات.
يمكن للدول المانحة أيضًا استخدام نفوذها السياسي لتشجيع الجهات الفاعلة بما فيها الحكومة السورية المقبلة على تنفيذ الإصلاحات القانونية والقضائية.
الشتات السوري والصراع:
يمكن للشتات السوري أن يلعب دورًا حيويًا في الدعوة إلى إصلاح النظام القانوني والقضائي في سوريا. يمكنهم دعم منظمات المجتمع المدني، والضغط على الدول المانحة والمنظمات الدولية لدعم الإصلاح القانوني والقضائي. وتوفير الخبرة والموارد لدعم عملية الإصلاح.
هذه ليست سوى عدد قليل من النقاط والعناوين المحتملة لإصلاح النظام القانوني والقضائي في سوريا. في نهاية المطاف، سيكون من الضروري وجود تحالف واسع من أصحاب المصلحة لتحقيق إصلاحات دائمة وذات مغزى في النظام القانوني والقضائي. ومن المهم أن ندرك أن هذه عملية معقدة وطويلة الأجل تتطلب جهدًا والتزامًا مستمرين من جميع أصحاب المصلحة.
د. وسام الدين العكلة