كيف يصبح الثبات تهمة؟ والتعقّل خيانة؟
أنا أحمد الشرع وهذه هويّتي:
كيف يتجرأ من لم يمشِ يومًا في طريق الدماء أن يُملي على من خاضها كيف يسير؟!
كيف يجرؤ أن يسأل: “لماذا لا يُقيم الشرع؟” وكأنه لا يرى مَن عُلّق على أعواد المشانق لأنه حاول؟
أليس هو التاريخ يصرخ:
أين إمارة طالبان المُحاصرة من كل الإتجاهات؟ أين مشروع بن لادن؟
هل نسيتم حسن البنا، وكيف انتهى؟
هل نسيتم سيد قطب، حين كتب وهو يعلَم أن كلماته ستكون وصيّته؟
هل نسيتم عبد الله عزام… الذي غُيّب لأنه أراد أن لا تكون أفغانستان نهاية الطريق بل بدايته
يسأل بعضهم:
أين إعلان الخلافة؟ أين إقامة شرع الله؟
ثم يُلحقونها بسؤالٍ مسموم: “هل صار همه اليوم إرضاء الغرب؟!”
ونسألهم:
هل تعرفون ما معنى أن تنتقل من ثورةٍ طُبعت نعوتها إلى الإنتصار؟
أن تجعل من سوريّة بداية الطريق، لانهايته ؟!
أن تُبقي دماء مليون شهيد حيّة تنير الطريق، لا في ذكريات الماضي وجدرانه؟
أن تمشي بين ألغام الدول، ومكر الأمم، وتضارب الفصائل… ثم تظلّ واقفًا؟!
هل تظنونه يجهل الطريق إلى “إعلان الخلافة”؟!
بل يعرفه جيدًا… يعرف الثمن، ويرى الجثث التي ملأت الطريق من قبله.
ويعلم أن الأمر ليس كما يظنّه البعض؛ كاميرا وبضع كلمات بمقطعٍ مسجَّل، خلفيّته راية العقاب، ويقال بنهايته الله أكبر.. والسلام
أين مشروع عبد الله عزام؟
أين قادة إمارة الأنبار؟
أين بن لادن والظواهري وخطّاب؟!
بل أين مرسي؟ أربكان؟ أين عدنان مندريس؟
سواء اختلفنا معهم أم اتّفقنا لايهم..
كلّهم أرادوا… لكنهم لم يُمهَّلوا
كلّهم حاولوا… لكنهم لم يقرؤوا اللحظة كما يقرؤها اليوم أحمد الشرع ورفاقه.
هو لا يُجامل الغرب… بل يُفكك فخّه
لا يهادن العدو… بل يُعدّ له
ولا يُريد أن يُضاف إلى قائمة الشهداء الذين بُكوا كثيرًا… لكنهم غابوا قبل أن يُكملوا الطريق
نعم، قالها صراحة:
“تجاوزنا أخطاء من قبلنا”
وهل تعرفون مَن الذين قبله؟
الذين استعجلوا، فذُبحوا
الذين واجهوا من غير سياسةٍ شرعية، فتم القضاء عليهم
الذين رفعوا راية “الحكم”، قبل أن يملكوا مقومات “الدولة”
هو لا يخاف الموت… لكنّه لا يريد موتًا يُعيد الأمة للصفر
يريد أن يُكمل، لا أن يُقصف، فيُحكى عنه كقصة مؤلمة لا أكثر، وتُنظم فيه الأشعار والقوافي، أخي أنت حرٌ وراء السدود.. !
لكن المشكلة أن البعض لا يريد قائدًا صبوراً ينتصر
بل شهيدًا يبكيه ويتغنّى ببطولاته على أطلال الماضي..
يريد أن يرى أحمد الشرع مضرّجًا بدمائه، كي يُصدّقه
وعندها فقط، سيرفع صوته: “كان نزيهًا… والدليل أنهم قتلوه!”
يا هذا.. من البطولة أن تموت وأنت تحاول، لكن من الجسارة أن تُفشل موتك ألف مرة، حتى تُكمل الطريق.
فلا تنتظروا موت الرجل لتفهموه
ولا تُعلّقوا شرعية الدعوة على رفات قائدها.
إنه يمشي اليوم على الجمر، وفي حقول ألغام السياسة.. كي لا تحترق الدعوة من جذورها
إنه يُراوغ الموت.. لا حبًّا في الدنيا، بل حرصًا على النصر.
ماذا لو أعلنها أحمد الشرع اليوم دولة إسلامية؟
تخيّلوا لو أنّ الرجل خَرج على الناس وقال:
“نحن الآن دولة إسلامية، ونعمل بكتاب الله وسنّة نبيّه.”
قد يبدو هذا المشهد مشرقًا، مُلهِمًا، ملؤه الحماسة..
لكن الحقيقة أن إعلانًا كهذا، سيكون أسرع طريق إلى الانهيار.
لأن الدولة لا تُبنى من بيان… بل من بنية.
ولا تُعلن بالرايات… بل بالأرض، والمؤسسات، والتوافق، والسيادة، والنفوذ.
مثل هذا الإعلان – رغم نُبل المقصد – سيفتح أبوابًا خطيرة:
في الخارج، سيكون ذريعة جاهزة لدول العالم التي لم تهضم سقوط النظام:
سيقال إن سوريا دخلت عهد التطرف، وستبدأ حملات الضغط والحصار والشيطنة من جديد.
ستُفرض العقوبات، وستُقطع العلاقات، وسيتحوّل النصر إلى حصار خانق وشامل.
وفي الداخل، سيتحوّل هذا الإعلان إلى ملف صراع.
ليس كل مكوّنات المجتمع ستتقبله فجأة، ولا كل الفصائل ستتوافق عليه.
سنشهد انقسامات فكرية وميدانية، وربما اقتتالًا على الشرعية، أو حتى فتنة مذهبية.
ومن ثمّ، ستُستنزف الدولة الوليدة من داخلها، وتُحاصر من خارجها، ويُعاد إنتاج الفوضى من جديد، لكن هذه المرة… بأيدينا نحن
﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ (غافر:44)