Search

حين تتقاطع المصالح: إيران تصرخ، وإسرائيل تضرب

في الشرق الأوسط، لا تُقاس الصراعات بالرايات التي تُرفع، ولا تُفهم بالخطابات التي تُلقى. بل تُقاس بحجم المصالح، وتُفهم من خلال خرائط النفوذ وصفقات الكواليس. والضربات التي وجّهتها إسرائيل اليوم إلى مواقع إيرانية في عمق إيران، أعادت إلى الواجهة سؤالًا شائكًا: هل نحن أمام مواجهة عقائدية حقيقية، أم صراع بين قوتين ظالمتين يتناطحان على حساب شعوب المنطقة؟

سنة ماضية: هلاك الظالم بالظالم

قد تكون هذه الضربات استثنائية في حجمها وتوقيتها، لكنها ليست استثنائية في معناها. فالتاريخ مليء بأمثلة تشير إلى أن الطغاة لا يُسقطهم إلا طغاة مثلهم. سنة من سنن الله في هذا الكون، أن يهلك الظالم بظالم آخر، ليكون عبرة لمن بقي متفرّجًا أو مغرورًا بقوة وهمية.

إسرائيل وإيران، رغم ما يبدو على السطح من عداوة شرسة، هما وجهان لمعادلة الخراب في المنطقة. الأولى كيان استيطاني توسعي بُني على أنقاض فلسطين وشعبها، والثانية نظام طائفي توسعي بنى مجده الزائف على جثث السوريين والعراقيين واليمنيين واللبنانيين.

العداوة… هل هي عقائدية فعلًا؟

قد تبدو الشعارات الإيرانية التي ترفع “الموت لإسرائيل” و”القدس في القلب” محرضة للمشاعر، لكنها تخفي وراءها واقعًا مغايرًا. فمنذ عام 1979، لم تطلق إيران طلقة واحدة على إسرائيل من أراضيها، بينما كان كل عدوانها موجّهًا إلى الدول العربية تحت غطاء “المقاومة” أو “الممانعة”.

وفي المقابل، ورغم خطابات التحذير الإسرائيلية من “الخطر الإيراني”، فإن تل أبيب لم تمانع ضمنيًا أن تنشغل طهران بتمزيق سوريا ولبنان واليمن، طالما بقيت جبهات الجولان وغزة ولبنان تحت السيطرة ولكن جاء طوفان الأقصى وقلب المعادلات ونقد الاتفاقيات

إنها ليست عداوة دينية أو عقائدية، كما يُسوّق البعض، بل صراع مصالح ونفوذ، يشتدّ حين تتقاطع الحسابات، ويهدأ حين تتكامل الأدوار. وهذا ما نشهده اليوم: تقاطع حاد في المصالح العسكرية، لا تناقض في المبادئ.

لا ثوابت… إلا المصالح

في السياسة، لا توجد ثوابت أبدية، ولا تحالفات خالدة. أعداء الأمس قد يصبحون حلفاء اليوم، والعكس صحيح. من كان يتصور أن تتعاون إيران مع أمريكا في العراق؟ أو أن تصمت إسرائيل عن تمدد إيران في سوريا كل تلك السنوات؟ أو أن يغضّ الطرف بعض العرب عن المشروع الصهيوني مقابل اصطفاف ضد طهران؟

هذا ما يجب أن يُدركه كل من يتابع الشأن السياسي بعيون الشعارات فقط. فالسياسة لا تحكمها المبادئ، بل المصالح. ومن لا يفقه هذه القاعدة سيكون أول ضحاياها، يُستَغل ويُستَنزَف ويُرمى خارج اللعبة دون أن يفهم كيف ولماذا.

الشعوب هي الضحية

الضحية الأولى والأخيرة في هذا الصراع ليست إيران ولا إسرائيل، بل الشعوب العربية والإسلامية التي تئنّ تحت نيران وكلائهما، وتدفع ثمن هذه المواجهات المفتعلة.

لقد آن الأوان أن نُزيح الغشاوة عن أعيننا، وأن نرى الصراع كما هو: تصفية حسابات بين قوتين ظالمتين، لا تنتصر فيه إلا مشاريع الاحتلال والاستبداد.
أما الشعوب، فإما أن تستعيد وعيها وتُحرّر قرارها من قبضة الشعارات الفارغة، أو تبقى وقودًا في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل.

الخلاص لن يأتي من طهران ولا من تل أبيب، بل من وعيٍ عربيٍّ صلب، يُعيد ترتيب الأولويات، ويضع الكرامة والحرية فوق كل اعتبارات الخداع والاصطفاف الكاذب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top