تشهد الساحة الإقليمية تصعيداً حاداً في المواجهة بين إيران وإسرائيل، مع دخول كلا الطرفين في جولات من العمليات العسكرية المعقدة التي امتدت لأول مرة بشكل مباشر إلى عمق أراضي كل منهما. على الرغم من حجم الضربات واتساع نطاق الأهداف، إلا أن المواجهة حتى الآن تسير ضمن مسار مضبوط ومحدد بإطار لا يزال مرسوم من قبل الطرفين، ما يعكس إدارة دقيقة للصراع تراعي توازنات أكبر من مجرد الرد العسكري الفوري.
ميدانياً، بدأت الجولة الحالية من التصعيد عندما نفذت إسرائيل سلسلة ضربات نوعية استهدفت مواقع حيوية داخل العمق الإيراني، شملت منشآت نووية وعسكرية في نطنز وأصفهان ومحيط طهران. اختارت إسرائيل توقيت الضربات بعناية في أعقاب مؤشرات على تقدم البرنامج النووي الإيراني إلى مستويات اعتبرتها تهديداً مباشراً لأمنها القومي، مستخدمة تفوقها الجوي والتكنولوجي في تنفيذ عمليات دقيقة وعالية التأثير.
الرد الإيراني جاء سريعاً وعلى عدة مراحل، إذ أطلقت طهران ما يزيد عن 150 صاروخاً باليستياً وعشرات الطائرات المسيرة باتجاه أهداف إسرائيلية حساسة، ما تسبب بخسائر بشرية واضطرابات كبيرة في قطاعات حيوية كالمطارات وشبكات الطاقة والاتصالات. لكنها، رغم حجم الرد، حرصت في الوقت ذاته على إبقاء التصعيد ضمن حدود محسوبة لا تؤدي إلى انفجار حرب واسعة يصعب التحكم بمسارها.
في المقابل، رفعت إسرائيل مستوى التأهب إلى أقصاه، مع تعزيز الدفاعات الجوية وتحريك قطع بحرية وطائرات استطلاع لمراقبة المجالين البحري والجوي في المنطقة. كما انتشرت وحدات الجيش في محيط المدن الكبرى والمواقع الاستراتيجية تحسباً لأي تصعيد جديد قد يشمل عمليات تسلل أو استهداف بالصواريخ الدقيقة.
على الجبهة السياسية، يرافق هذا التصعيد العسكري حراك دبلوماسي مكثف من قبل القوى الدولية الفاعلة في محاولة للجم المواجهة وضبط مسارها قبل الانزلاق إلى حرب إقليمية واسعة. الولايات المتحدة، بريطانيا، الصين وتركيا دخلت على خط الاتصالات غير المباشرة، بينما تعلن موسكو موقف المراقب الحذر، في حين تُبقي دول الخليج قنوات التنسيق الأمنية مفتوحة لتلافي ارتدادات المواجهة على استقرار الإقليم.
في تفاصيل السلوك الميداني لكل طرف، يظهر أن إيران تتبع استراتيجية “الرد المحسوب”، أي توجيه ضربات نوعية تحقق رسائل سياسية وعسكرية دون تحطيم القواعد الكبرى للاشتباك. أما إسرائيل فتعمل بمنطق “الضربة الاستباقية الممتدة”، حيث تسعى لإضعاف القدرة الإيرانية تدريجياً مع الاحتفاظ بخيارات تصعيدية مفتوحة في حال تطور الموقف.
عمليات الرصد والتقدير تشير إلى أن الطرفين، رغم خطورة التصعيد، يحرصان على إبقاء الخطوط الخلفية للاتصال غير المباشر مفتوحة، سواء عبر الوساطات الدولية أو القنوات الاستخباراتية التقليدية. هذه الديناميكية تعكس قناعة لدى القيادتين بأن المواجهة الشاملة ليست في مصلحة أي منهما حالياً، خصوصاً في ظل التعقيدات الدولية والاقتصادية المصاحبة.
ختاماً، تبقى المواجهة الإيرانية الإسرائيلية على درجة عالية من التعقيد والتوتر، حيث تتوازن القوى بين تصعيد مدروس وردود محسوبة ضمن حدود ضيقة تضمن عدم انفجار الوضع إلى مواجهة شاملة. في ظل هذا الواقع، يظل ضبط مسار التصعيد رهينًا بالحكمة السياسية والقدرة على إدارة الأزمات من كلا الطرفين، إلى جانب الدور الحاسم للوساطات الدولية في منع انزلاق الصراع إلى أبعاد إقليمية أوسع. مع استمرار هذه الديناميكية، فإن الحذر والتوازن يظلان مفتاحي السلام النسبي، بينما يبقى احتمال التدهور واردًا في حال وقوع أي خطأ في الحسابات أو تصعيد غير محسوب، مما يحتم على الأطراف الإقليمية والدولية مواصلة جهودها للتهدئة والحوار لمنع مواجهة قد تكون عواقبها كارثية على المنطقة بأسرها.
الطاهر قربون