بقلم: أ. بلال محمد الشيخ _ كاتب سياسي سوري
ملخص:
_ يشكّل توقيف نوح زعيتر، الملقب بـ”إسكوبار لبنان”، حدثاً أمنياً وسياسياً بارزاً في المشهد اللبناني.
_ العملية النوعية التي نفذها الجيش اللبناني في البقاع جاءت متزامنة مع إطلاق العماد جوزيف عون حملة “درع الوطن”، ما يجعلها أكثر من مجرد ضربة لشبكات المخدرات؛ إنها خطوة عملية في مسار مواجهة النفوذ الموازي وحصر السلاح بيد الدولة.
_ هذا التزامن يعكس انتقال المؤسسة العسكرية من موقع الدفاع إلى المبادرة، ويمنح لبنان شرعية دولية إضافية في مكافحة تجارة الكبتاغون التي تجاوزت مليارات الدولارات سنوياً.
_ داخلياً أعاد التوقيف الثقة للمواطن بقدرة الدولة على فرض القانون حتى في البيئات الأكثر تعقيداً، وبذلك يمكن اعتبار سقوط زعيتر بداية لمسار استراتيجي لإعادة بناء الدولة اللبنانية في مواجهة الميليشيات والاقتصاد الموازي.
مقدمة:
برأيي كباحث متابع للشأن اللبناني، لا يمكن النظر إلى توقيف نوح زعيتر في تشرين الثاني/نوفمبر 2025 إلا كبداية لمسار طويل ومعقد. الرجل الذي لُقّب بـ”إسكوبار لبنان” لم يكن مجرد تاجر مخدرات؛ بل رمزاً لشبكة مصالح متشابكة بين الجريمة المنظمة والسياسة والنفوذ الطائفي.
العملية النوعية التي نفذها جهاز الاستخبارات في الجيش اللبناني جاءت متزامنة مع إطلاق العماد جوزيف عون حملة “درع الوطن”، ما يجعل من هذا الحدث الأمني تجسيداً عملياً لشعار مواجهة النفوذ الموازي وحصر السلاح بيد الدولة.
أولاً: البُعد الأمني
- العملية نُفذت بكمين محكم في البقاع، دون إطلاق رصاصة واحدة، وهو ما يعكس احترافية عالية.
- هذا النجاح يثبت أن الجيش قادر على اختراق بيئات طالما اعتُبرت محصّنة، ويؤكد انتقال المؤسسة العسكرية من موقع الدفاع إلى المبادرة.
- وهنا يبرز سؤال مثير للتأمل: هل يشكّل هذا التوقيف بداية لمسار أوسع لتفكيك شبكات النفوذ الطائفي، أم أنه سيبقى حدثاً معزولاً؟
ثانياً: البُعد السياسي
- زعيتر ارتبط بقتال إلى جانب حزب الله والنظام السوري المخلوع، ما جعله جزءاً من شبكة مصالح عابرة للحدود.
- توقيفه يوجّه رسالة مزدوجة: أولاً، أن الجيش قادر على مواجهة شخصيات محمية سياسياً؛ وثانياً، أن حملة “درع الوطن” بدأت تتحول من شعار إلى فعل ملموس.
- من وجهة نظري، هذه العملية تُظهر أن الدولة اللبنانية بدأت تضع يدها على أحد مصادر قوة الحزب: الاقتصاد الموازي القائم على التهريب والمخدرات.
ثالثاً: البُعد الإقليمي والدولي
- وفق تقارير الأمم المتحدة، تجارة الكبتاغون في المنطقة تجاوزت مليارات الدولارات سنوياً، ما يجعل ضرب شبكاتها حدثاً يتجاوز الحدود اللبنانية.
- توقيف زعيتر يعزز صورة لبنان كشريك في مكافحة المخدرات والإرهاب، ويمنح حملة “درع الوطن” شرعية دولية قد تُترجم في شكل دعم أمني ومساعدات.
- وهنا، يمكن القول إن الجيش اللبناني لا يخاطب الداخل فقط، بل يوجّه رسالة للخارج بأن لبنان قادر على التعاون في ملفات حساسة.
رابعاً: البُعد الاجتماعي
- داخلياً، العملية أعادت الثقة للمواطن بأن الدولة قادرة على فرض القانون حتى في أصعب البيئات.
- لكنها أيضاً طرحت سؤالاً جوهرياً: كم من “زعيتر آخر” ما زال يسرح ويمرح تحت حماية شبكات سياسية أو طائفية؟
- هذا السؤال، وإن بدا بسيطاً، هو في الحقيقة جوهر معركة “درع الوطن”: مواجهة البنية التي جعلت من لبنان أرضاً مستباحة.
خاتمة
إن توقيف نوح زعيتر لا يمكن اعتباره مجرد ضربة لشبكات المخدرات؛ إنه الخطوة الأولى العملية في مسار “درع الوطن”، حيث يسعى الجيش بقيادة العماد جوزيف عون إلى مواجهة النفوذ الموازي لحزب الله وتفكيك شبكات التهريب التي شكّلت أحد مصادر قوته.
برأيي، إذا استُثمر هذا الإنجاز بشكل استراتيجي، فقد يكون نقطة تحوّل في ميزان القوى داخل لبنان، ويعيد للمؤسسة العسكرية دورها المركزي كركيزة لإعادة الاعتبار للدولة والشرعية.
مراجع ومصادر:
- تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) حول تجارة الكبتاغون في الشرق الأوسط، 2023.
- بيانات الجيش اللبناني الرسمية حول عملية توقيف نوح زعيتر، تشرين الثاني/نوفمبر 2025.
- تصريحات الاتحاد الأوروبي حول دعم لبنان في مكافحة تهريب المخدرات، 2024.


