مما لا شك فيه، أن الحرب في سورية فرضت على المرأة السورية طرق حياة مختلفة، لم يكنّ معتادات عليها سابقاً. فقد كان للحرب أثرٌ نوعيٌ على النساء، حيث أصبحن يلعبن دور المُعيل في الأسرة، لتأمين خدماتها من أجل الاستمرار في العيش، والبقاء على قيد الحياة، والسبب في ذلك، إما وفاة المعيل، أو اللجوء أو النزوح، عن الموطن الأصلي، ففي سورية أكثر من ثلث الأسر مسؤولة عنها المرأة.
واقع المرأة السورية قبل الثورة
إن العقلية السائدة قبل الثورة فيما يخص العمل السياسي للمرأة، سواء في انتمائها إلى أحزاب سياسية، أو لعب دور في صنع القرار، كان ينظر إليه على أنه خروج عن طبيعة المرأة. وأن مشاركة المرأة السورية في هذا المجال هو خروج عن دورها كأم وكزوجة. وبالتالي، تشكلّت رؤى اجتماعية ذات مرجعية عقلية ذكورية. تعتبر انخراط المرأة بالشأن العام السياسي وغير السياسي. على أنه عملٌ غير صالح لطبيعتها وأنوثتها ومجتمعها، ويجب أن تبتعد عنه لسلامتها وسلامة دورها في الحياة.
لكننا لو تمعنّا في هذه الرؤية الفكرية السلبية نحو المرأة. سنكتشف كم هي رؤية قاصرة عن فهم الواقع الإنساني. وكم تتجاهل هذه الرؤية طاقات فكرية وعقلية وبدنية تمتلكها المرأة. وبذلك تدفع الرؤية السلبية إلى هدر هذه الطاقات البشرية الهامة، نتيجة محاكمات عقلية منغلقة على مفاهيم تقسيم المجتمع جنسياً.
فالمرأة تريد أن تحصل على المساواة، هذه المساواة تُقرأ على صعيد الحقوق السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والواجبات.
هذه الحقيقة تتعلق بأمور كثيرة، منها طبيعة المجتمع ونظرته للمرأة. ومنها حداثة علاقة المرأة بالعمل السياسي، وبشغلها مواقع في صناعة القرار في هذا المضمار، ومع ذلك لا يمكن لنا أن نتجاهل أن الثورة خلخلت هذه البنية المجتمعية، ودفعت بالمرأة السورية إلى الصفوف الأولى للمشاركة في السياسة.
أدوار قيادية وتحديات للمرأة السورية
وبالرغم من قيام المرأة بأدوار قيادية. إلا أنه مازالت هناك تحديات كثيرة تواجهها في الحياة السياسة، فمثلاً مشاركة المرأة في الجهود السياسية وعملية السلام، مازالت منخفضة بشكل واضح، ومازالت التشريعات التمييزية موجودة، فوضع المرأة السورية لم يكتسب درجة متقدمة من ترسيخ حقها على المستوى السياسي.
إن تشجيع انخراط المرأة بالعمل السياسي في سورية، سيقدّم لهذا العمل قيمة مضافة. فالنساء عدا عن كونهن نصف المجتمع، هنّ يمتلكن طاقات إبداعية وعملية في مجالات التطوير المجتمعي. والبناء، والتنمية، وإنتاج المعرفة، والثقافة.
وبالتالي، فإن وجود المرأة من أساسيات مراحل السلم السياسي. وإن للمرأة من الحكمة والقدرة ما يكفي لتكون جزء أساسي من السلم السياسي. والمشاركة السياسية والقيادية للمرأة هي حق يجب أن تحصل عليه، وواجب يجب أن تقوم به. وهو أمر ضروري للانتقال إلى دولة المواطنة العادلة، دولة القانون والديمقراطية والمساواة.
إلا أنه وللأسف، لاتزال المرأة السورية مستبعدة إلى حد كبير من المشاركة في العمل السياسي على الرغم من الدور الكبير الذي تقوم به المرأة من تعزيز السلام، وإنهاء العمليات القتالية في كثير من النزاعات المسلحة.
العمل مع مراعاة الضوابط الشرعية
أما من الناحية الدينية، فيمكننا أخذ الحكم من مفهوم بعض الآيات القرأنية. ففي قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام مع ابنتي الرجل الصالح، (قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير). حيث إنهما كانتا تعملان برعي الأغنام والسقي، والسبب في ذلك. أن أباهما رجل كبير لا يقوى على ذلك، وهذا مبني على الصحيح من أن شرع من قبلنا شرع لنا مالم يرد ناسخه، وفي هذا الأمر لم يرد ناسخ له، وبالتالي، يُأخذ منه على أن المرأة إذا كانت محتاجة إلى العمل فلا حرج في ذلك مع مراعاة الضوابط الشرعية.
وبالتالي إذا لم يكن للمرأة عائل يعولها، واضطرت لإيجاد مصدر رزق، ولم تجد لذلك سبيلاً، جاز لها العمل مع التحفظ، وذلك لقوله تعالى “وقد فصل لكم ماحرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه”الأنعام 119.
ولقوله تعالى “فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه”البقرة 173.
قيود ذهنية ذكورية
المرأة السورية كانت إلى جانب الرجل في كل مراحل الحياة، وبالرغم من ذلك لم تحصل على حقها في اتخاذ القرارات المتعلقة بها. وتعرّضت لجميع أنواع الانتهاكات، فأصبح المجتمع بعقليته البدائية ينظر للمرأة على أنها إنسانٌ قاصرٌ. والإنسان القاصر يحتاج دائماً إلى ولي أمر، ويكون الولي من ذكور العائلة، بالرغم من أن المرأة إنسان كامل الأهلية على مستوى وعيها الإنساني أو على مستوى الانخراط في مجالات الحياة.
إلا وأنه في ظل الحرب في سوريا. أصبح الأمر معقداً جداً، فالمرأة لاتزال رهن قيود ذهنية ذكورية متسترة بمقولات دينية لا علاقة لها بمساواة الرجل والمرأة، فالله لم يميّز بين الرجل والمرأة كجنسين في الثواب والعقاب.
الإقرار بوجود المشكلة وضرورة مواجهتها
ومع الإقرار بوجود تهميش وربما ظلم للمرأة، فإن مواجهة ذلك يتطلب جهوداَ كبيرة يمكن مراكمتها. تتوجه إلى كلٍ من الطرفين، من ناحية التثقيف والتوعية. بحيث لا يكون أيٌ من المرأة والرجل خصماً مفترضاً للآخر، بل هما في شراكة تبنى على الاحترام والتفاهم.
ويجب العمل على القضاء على كافة أشكال التمييز بحقها. من خلال برامج توعية وأيضاً تنقية المناهج التعليمية والبرامج الإعلامية من كل الصور النمطية للمرأة. وتقديم الدعم لتغيير واقع حياة المرأة السورية، كونها مواطنة فاعلة ومشاركة في صياغة مستقبل البلاد.
أ. ميسون محمد