واقع الانتخابات التركية وارتدادها على الشمال السوري

واقع الانتخابات التركية وارتدادها على الشمال السوري

تحظى الانتخابات التركية باهتمام إقليمي ودولي كبير، وتعتبر داخليا معركة مصيرية ونقطة انعطاف مهمة بالنسبة للقوى السياسية التركية، ولا سيما أنها ستحدد مستقبل النظام في تركيا، وسيكون لها انعكاسات على الواقع الداخلي والخارجي كما ستؤثر على الملفات المتعددة المرتبطة بنتائجها، ومع اقتراب موعدها وتعقُّد خياراتها وإلقائها بظلالها الواسعة، سواءٌ فيما يتعلق بالشمال السوري أو الوجود السوري في تركيا، وغير ذلك مما يتصل بجذر القضية السورية.

في الحقيقة إن الانتخابات التركية ليست مجرد تنافس على السلطة بين أردوغان وخصومه. وإنما صراع لتحديد مستقبل النظام السياسي في تركيا وسيكون لها آثار مباشرة على مستقبل الصراع في سوريا، ولذلك تنتظر قوى الصراع في الداخل السوري (المعارضة، والنظام، والإدارة الذاتية) مخرجات الانتخابات لكونها عاملا رئيسيا حاسما برسم سياسات الملف.

السوريين في تركيا بين التخوف والترقب

بقلق وترقب يتابع اللاجئون السوريون في تركيا الأجواء السياسية قبيل الانتخابات التركية للبلاد في 14أيار _مايو القادم، في ظل اعتقاد واسع بينهم  سواءً في تركيا أو السكان في مناطق الشمال السوري بمصيرية نتائجها لجهة مستقبلهم، تأتي الانتخابات في ظل استمرار ملف التقارب مع النظام السوري،  ووعود أبرز أحزاب المعارضة بترحيل السوريين في حال صعدت إلى الحكم.

هذه الملفات سيكون لها بالتأكيد انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على السوريين،  خاصة أن هناك ما يقارب 4 ملايين سوري من المقيمين في تركيا هم في عين العاصفة الانتخابية، كون أن كل الأحزاب التركية تضع مفردة إعادتهم في رأس جدول أولوياتها، وإن اختلفت الأدوات المطروحة.

الانتخابات التركية…المعارضة تتوعد بترحيل السوريين

تقول استطلاعات الرأي أن أكثر من 88 في المئة من الأتراك يرغبون بعودة السوريين،  وهذه  القضية بالذات (اللاجئين) تعتبر مهمة لدى الأحزاب وتستخدمها لمداعبة الشارع والناخبين الأتراك سواء كانوا مع أو ضد هذه الفئة من الناس،  وكون أن عدد اللاجئين ارتفع بكثرة، فهذا خلق نوعا من التذمر عند الأتراك.

ما جعل المعارضة تستغل هذا الملف وتلعب على عواطف الناس وتقول في حال فزنا بالانتخابات، “فسنقوم بترحيلهم إلى بلدانهم”. هذه الاستراتيجية في الحقيقة سبق وأن استخدمها اليمين المتطرف خلال الانتخابات الدانماركية الماضية”.

في الحقيقة إن المعارضة لن ترّحل السوريين بين ليلة وضحاها بسبب الاتفاقيات والمعاهدات التي وقعتها تركيا مع الاتحاد الأوروبي،  وإن إعادتهم بالطريقة التي يتصورها البعض هي فكرة مستحيلة التنفيذ، إلا إذا قررت حكومة المعارضة أن تتحدى المجتمع الدولي وشرائعه.

غير ذلك، فإن تلك القرارات تُتّخذ على مستويات وضمن دوائر من المفترض أنها لا تتأثّر بشكل مباشر أو سريع،  أو ربما لا تتأثر نهائياً بملف الانتخابات المقبلة، لأن مثل هذه القضية تُتّخذ عن طريق مجلس الأمن القومي التركي،  وليست قضية خاصة بحزب حاكم، أي لا يمكن إعادة السوريين ولا بأي شكلٍ من الأشكال بصورة مجدولة خلال سنة أو اثنتين، وسط توقّعاتٍ من بعض المستويات العالية في حزب الشعب الجمهوري المعارض بأن الوجود السوري ربما يستمر حتى العام 2030؛ إلا أن المعارضة تتعمد إثارة موضوع ترحيل السوريين لاستثماره.

تضييق متوقع في حال فوز المعارضة بالانتخابات التركية

لكنها ستقوم بتضيق الخناق أكثر عليهم كي ترغمهم على المغادرة من تلقاء أنفسهم،  فمن الممكن ومن المقدور عليه أن تمنع الحكومة المقبلة في حال فوزها، التجّار السوريين من فتح شركات خاصة أو محلات تجارية أو ترفض تسجيل سيارات على اسم سوري أو تمنع تسجيل أطفالهم بالمدارس،  أو أي امتيازات أخرى،  كل هذا سيؤثر في النهاية على اللاجئين وسيبحثون عن بلدان بديلة، سواء كان في أوروبا أو في مناطق أخرى من العالم،  وهناك أيضا من سيعود إلى سوريا لحمل السلاح من جديد للدفاع عن نفسه كون أن غالبية الذين يعيشون في تركيا مطلوبين من قبل النظام السوري.

وباختصار، إن إعادة 4 مليون لاجئ سوري يبدو أمرا مستحيلاً وصعبا وبالتالي فإن ملف السوريين قد يبقى قائما،  ففي هذه الحالة قد يكون هناك احتمال حول اتفاق لعودة بعض اللاجئين بشكل تدريجي،  أما استخدام الورقة فهي أضحت حيلة انتخابية للمرشحين فقط لا أكثر.

وعلى ما يبدو أنهم تحولوا إلى سلعة بيد السياسيين الأتراك،  خاصة في التصريحات التي تخص مستقبل اللاجئين السوريين في تركيا، لحسابات انتخابية، وكل الأطراف السياسية التركية (معارضة، حكومة) تدرك أن ملف الوجود السوري لا يمكن حله في غضون عامين”.

النفوذ العسكري التركي في الشمال السوري

لطالما أدرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سورية على قائمة أولوياته، لأنها تمثّل الدائرة الأولى لعمقه الاستراتيجي، وكانت الأوضاع في شمالي غرب سوريا رهنًا إلى حد كبير بالقرارات الصادرة عن أنقرة.

ولا يزال ذلك صحيحًا الآن، بينما يترقّب اللاجئون والنازحون وقوات المعارضة السورية  نتائج الانتخابات التركية، لكون أن مستقبلهم سيتأثّر بالانتخابات، أيًا تكن النتيجة،  حيث أن لتركيا قوات كثيرة داخل الأراضي السورية.

وتوسّعت في الوجود بشكل تدريجي خلال السنوات الماضية ليصل عدد الجنود إلى أكثر من 20 ألفاً، بالإضافة إلى وجود من أشكال أخرى من تشكيلات تركية مدنيّة مثل “آفاد” ومنظمات وغيرها في محافظة إدلب وريف حلب ومناطق أخرى في شمال وشرق سوريا، ضمن تل أبيض ورأس العين.

كما أنها تدعم عسكريا تحالفا مناهضا للأسد وقوات سوريا الديمقراطية، هو  “الجيش الوطني السوري” وتعتبره جسما عسكريا “حليفا”، لكن النظام السوري يعتبره “مجموعات إرهابية” ويجب وقف الدعم عنها.

ضرورات الأمن القومي التركي

هناك حالة شبه إجماع بين كل الأحزاب التركية على وضع الوجود التركي في سوريا في إطار ضرورات “الأمن القومي التركي”، ومن الصعب أن يتغير هذا الإجماع،

وخاصة أن قرار دخول الجيش التركي إلى سوريا جاء من مجلس الأمن القومي التركي، وهذا المجلس لديه اعتبارات لا تتأثر بشكل كبير بتغيير الحكومة” هذا الوجود يُناقَش على مختلف المستويات في الدولة التركية مثل البرلمان والحكومة والأحزاب؛

فمن المفترض أن هذا النوع من القرارات لا يتأثّر بشكل مباشر وسريع بمسألة تغيّر الحزب الحاكم، وإنما يأخذ وقتاً،  كما أنه ينبغي التفريق بين قرارات تركيا وتوجهاتها التي هي على مستوى الحكومة الحالية والقرارات التي تمَّ اتخاذُها من طرف تركيا بسبب حسابات داخلية معقّدة واتُّخذت على مستوى مجلس الأمن القومي التركي.

أي: أن مسألة الوجود و التدخل لا تخضع بشكل مباشر وسريع وبدرجة كبيرة لحسابات نتائج الانتخابات التركية؛
لكنها ستتأثر على المدى البعيد في حال حدوث تغيُّر فعليّ أو كبير في الحكومة والبرلمان وأوزان المشهد السياسي في تركيا.

وباختصار، فإنه لا مصلحة لتركيا وسوريا بالانسحاب الفوري للجيش التركي من المنطقة، إذ يجب أن يكون هناك تسلسل زمني وخطة واقعية يمكن أن تطبق على الأرض، مثل إدخال مؤسسات الدولة إلى الشمال السوري، وبقائها كمنطقة آمنة إلى أن يتم التوصل لحل سياسي نهائي في البلاد.

وفي حال نجاح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التركية المقبلة سيدفع بالحكومة التركية إلى الضغط نحو تأسيس وتصحيح الواقع العسكري والأمني للفصائل في الشمال السوري،

كما أن التداخل الحاصل بين منظومات سورية وتركية شمال سوريا مثل الصحة والتعليم، سيتم تعزيزه بشكل أو بآخر، ويكون أحد النقاط التي ستتأثّر باستمرار الحكومة الحالية.

الانتخابات التركية ومسألة التطبيع مع النظام السوري

أما ملف التطبيع وعودة العلاقات بين أنقرة  ودمشق،  سيستمر بصرف النظر عن الجهة التي ستفوز في الانتخابات الرئاسية.

حيث قرار التطبيع تم اتخاذه من قبل الدولة التركية بغض النظر ،  عن صراع الأحزاب. خاصة بعد تأكيد وزير الخارجية التركي اجتماع وزراء الخارجية للدول الأربعة،  إضافة إلى أن كلا الطرفين اللذين يتنافسان في الانتخابات المقبلة لديه توجُّه نحو الانفتاح على نظام الأسد والتواصل السياسي معه.

لكن هذا السياق الذي يأتي فيه هذ التطبيع مختلف بشكل كبير؛ فالحكومة الحالية تُركّز على شروط معينة تتعلق بالوضع السياسي الداخلي والمعتقلين وأولوية محاربة الإرهاب وشروط وتفاصيل أخرى،

أما إنْ حصل تغيُّر فإنّ عملية الانفتاح تبقى قائمة ولكن تأتي في سياق آخر؛ إذ تميل بعض أطراف المعارضة للمضيّ في عملية الانفتاح أو التطبيع في سياق المصالحة، وفي سياق أقرب إلى الاعتذار عما مضى.

على العموم وفي الغالب سيستمر هذا الزخم، وتركيا بحاجة إلى شرعنة وجودها في سوريا، وهذا الأمر يتطلب موافقة مباشرة أو غير مباشرة من نظام دمشق “وتبعا لذلك فإن قضية التطبيع سيتم التوصل إليها بالتنسيق مع الأطراف الدولية والإقليمية والمضي بها نحو تعزيزها أو توسيعها والبناء عليها أكثر،

في حين أن قدوم المعارضة التركية سيترك تأثيرات مختلفة على تلك الملفات، ولكن على المدى الطويل لا السريع، وهذه التغييرات ما تزال غامضة، ولا يبدو أنها ستتضح بسهولة.

خلاصة

رغم أن رضى السوريين عن توجهات حزب العدالة والتنمية قد تراجع في الآونة الأخيرة نتيجة لما بدر من الحكومة التركية في الأشهر الماضية من تصريحات وتلميحات، بل وبعض اللقاءات التي تشير إلى إمكانية تطبيع العلاقات مع النظام السوري،

إلا أن أهواءهم مازالت مع حزب العدالة والتنمية كون المنافسين المحتملين لطالما عبروا عن مواقف متطرفة تجاه اللاجئين السوريين، وعن رغبتهم بتطبيع العلاقة مع النظام السوري دونما قيد أو شرط،

 وخاصة بعد التصريحات التي صرحها الرئيس التركي أردوغان البارحة مساء يوم الخميس،  والتي أعرب فيها عن رفضه لدعوات المعارضة بترحيل اللاجئين السوريين،  وانتقد تصريحات زعماء المعارضة بقوله “لا أؤيد هذا المفهوم ، هذا ظلم،  لاسيما أن العودة الطوعية لهم بدأت ونحن سنقدم الدعم اللازم لهم،  وأضاف “تركيا دولة 99 بالمئة من سكانها مسلمون ، وهناك شعب سوري اضطر إلى مغادرة بلاده بسبب الحرب . 

إن التغيرات بخصوص القضية السورية وملف اللاجئين  والوجود التركي في الشمال السوري سوف تكون محدودة، فمستجدات الموقف التركي ومواقف الدول الإقليمية تدعو إلى القلق وتضع السوريين أمام موقف واحد: لا بد من التحرك بكل طاقاتهم وبالسرعة القصوى لإنقاذ قضيتهم.

الكاتب: جلال عبد الجبار الدغيم

طالب في كلية العلوم السياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top