ما أسباب ودلالات ونتائج عودة سوريا إلى الجامعة العربية؟

ما أسباب ودلالات ونتائج عودة سوريا إلى الجامعة العربية؟

عودة سوريا إلى الجامعة العربية بقيادة الأسد يُعدّ خذلاناً جديداً للشعب السوري، فعلى الرَّغْم من أنَّ الدَّور السِّياسيّ للجامعة العربية ليس فعَّالاً بما فيه الكفاية، واكتساب عُضويتها بالنِّسبة للنِّظام لا يمكن اعتباره نصراً حقيقياً، لكنَّ رمزيَّة الأمر تُعدّ خذلاناً للشَّارع السُّوريّ، خاصَّةً أنَّ النِّظام لم يُغيِّر سياسته تِجَاه السُّوريِّين.

عودة الأسد للجامعة تُثْبِت مرَّةً أخرى قُوَّة حلفائه، فروسيا أرسلت جيشاً لحِمايته، وحالياً إيران تَمَكَّنَت مِن فَرْض عَوْدته إلى الجامعة العربية، بينما حلفاء الشَّعب السُّوريّ، أو مَن ادَّعَوا ذلك، لم يَتمَكَّنوا مِن تقديم دَعْم حقيقيّ له، ما عدا بعض الخِيَام.

إيران تفرض عودة سوريا إلى الجامعة العربية

الفشل الرَّسميّ العربيّ واضحٌ في القرار؛ فالأسباب التي لأجلها تمَّ تعليق عضويَّة سوريا ما زالت قائمةً، ولكنَّ إيران نجحت في فَرْض عودة الأسد إلى الجامعة، وذلك كجزءٍ من صفقة شَامِلة عربيَّة إيرانيَّة، فعَوْدة الأسد والتطبيع العربي معه كان شرطاً إيرانياً لإنجاز التَّسوية الشَّامِلَة في المنطقة بين إيران والعَرب.

الصمت الأمريكي تِجاه التَّقارُب العربيّ مع الأسد لا يُمْكن وَصْفه بالفَشَل، فسوريا ليست قضيَّة رئيسة بالنِّسْبَة لإدارة بايدن، وهنا تتحمَّل المعارضة السورية جزءاً من المسؤوليَّة؛ كونها لم تتمكَّن من بناء شراكات مع الدُّوَل الكبرى؛ كما أنَّ المُتَغَيِّرات الإقليميَّة والدّوليَّة دَفَعت الإدارة الأمريكية لتَخْفيض مستوى اهتمامها بالقضية السورية.

تَمَلْمُل بَعْض الدول العربية من قضيَّة اللاجئين في لبنان بالدَّرجة الأُولَى، وفي الأردن بالدَّرجة الثَّانية؛ يُعدّ عَاملًا ضَاغِطًا لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، خاصَّةً أنَّ المصالحة مع الأسد ستَعْنِي إِلْزَامَه بقَبُول عودة اللاجئين، وهنا لم تتمكَّن المُنظَّمات المَدَنِيَّة والحقوقيَّة السُّوريَّة من النَّجاح بالتَّسويق للدَّوْر الإيجابيّ الذي لَعِبَه السُّوريون في بُلْدان الاستضافَة.

التغلغل الإيراني في دُوَل المنطقة سَاهَم في عودة سوريا؛ فالدول العربية قَبِلَت بالوُجُود الإيراني في سوريا كأمرٍ واقعٍ مُقابِل التَّهدئة في اليمن والتَّمهيد لحلٍّ سياسيّ للأزمة اليمنيَّة، كما أنَّ تصدير المُخدّرات لدُوَل المنطقة شكَّل عَامِل ضَغْط ونُقْطَة تَفاوُض استخْدَمها نظام الأسد للعودة للجامعة.

كما أنَّ الانكفاء السِّياسيّ للدُّوَل العربيَّة الرَّئيسة والاتِّجاه للتَّنمية الدَّاخليَّة على حساب الحضور الإقليميّ عزَّز من قُدْرة الأسد على الصُّمُود، وذلك في ظلّ غياب أيّ ضَغْط عربيّ عليه؛ فالسعودية كثِقَل عربيّ تَراجَع حُضُورها في مِلفَّات المنطقة مثل لبنان وسوريا والعراق، وذات الأمر يَنْسَحب على مصر.

الدور الصيني في عودة سوريا

من جهةٍ أخرى فإنَّ تصاعُد الدَّوْر الصيني في المنطقة، وسَعْيه لضَمَان الاستقرار عزَّز مِن فُرَص عودة سوريا إلى الجامعة العربية؛ فالصين دَوْلة اقتصاد وليست دولة حرب، وتَسْعى للاستقرار كونه يُحقِّق مَصالِحها خَاصَّةً مشروع “الحزام والطريق”، لذلك تَسْعَى للتهدئة، وهذا ما أكَّدته وساطتها بين السعودية وإيران.

أمَّا فيما يتعلَّق بالدور الروسي فهو مُتَراجِع نِسْبيّاً، فروسيا حصلت على ما تُريده من سوريا، قاعدة عسكرية بحرية وسيطرة على مَوَارِد الدَّولة السورية، أمَّا قضيَّة بقاء الأسد أو رحيله فلم تَعُد أولويَّة لها، فمصالحها تَمَّ ضَمانُها.

في المدَى المَنْظُور من غير المُتوقَّع أن يكون هناك نتائج اقتصاديَّة لعودة سوريا، فالانفتاح السِّياسيّ لا يَعْني بالضَّرورة انفتاحاً اقتصاديّاً؛ خاصَّةً أنَّ الدول العربية تعتمد مبدأ الخطوة بخطوة، فمُستقبَل القرار مَرْهُون بسياسات الأسد، كما أنَّه في حال الانفتاح الاقتصاديّ لن تَظْهر نتائجه قبل عدَّة سنوات.

د. يحيى السيد عمر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top