مـظاهرات السويـداء فـرصة ثميـنة كيف يـمكن حـمايـتها؟

مـظاهرات السويـداء فـرصة ثميـنة كيف يـمكن حـمايـتها؟

تشهد محافظة السويداء السورية حالة غير مسبوقة من الاحتجاجات الشعبية والإضراب العام، حيث يعبر المحتجون من خلال وسائل سلمية ومشروعة عن مطالبهم بالتغيير السياسي بإسقاط نظام أسد والتضامن مع محافظة إدلب. ولا تقتصر المطالب على تحسين الخدمات فحسب، بل تمتد أيضًا إلى تحقيق تغيير جذري في السياسة الوطنية.

انطلقت المظاهرات في محافظة السويداء في 17 من الشهر الحالي، كرد فعل على قرار رفع أسعار الوقود، حيث ترددت هتافات الثورة السورية من جديد، وانتشرت أهازيجها خلال المظاهرات. وتصاعدت التوترات بشكل كبير، مما أدى إلى الدعوة إلى إضراب عام بدأ يوم الأحد الماضي.

وفي سياق متصل، يبدو أن نظام الرئيس بشار الأسد يتجاهل هذه الاحتجاجات، حيث شهدت المظاهرات تجاوبًا سلبيًامن قبله، وحيث تم دعس صور بشار الأسد وحتى قام المتظاهرون بإغلاق مقر حزب البعث في المحافظة.

وفي هذا السياق أجرى مركز مقاربات للتنمية السياسية مقابلة صحفية مع الدكتور عبد الرحمن الحاج، لتسليط الضوء على تطورات الأحداث في محافظة السويداء، وقد تم طرح الأسئلة التالية لتحليل الوضع والتداعيات المحتملة.

شهدنا في الآونة الأخيرة هتافات كنّا قد شهدنا مثلها سابقا عام 2011.. هل نشهد الآن شرارة جديدة تكرر ما حدث بانطلاقة جديدة وفي جنوب السوري؟

نحن أمام شرارة لاستئناف ما سبق، الشرارة تشكّلت بالتراكم عبر عوامل اقتصادية بالدرجة الأولى، لم يعد للنظام ما يقدمه لما تبقى من الشعب تحت الأراضي الخاضعة لسلطته وبشراكة حلفائه سوى القمع، هنالك انهيار اقتصادي متسارع، وأوضاع يصعب تحملها، هذه كفيلة أن تشعل أي شرارة للثورة. كثيرة هي المناطق التي كانت مرشحة للانتفاض ضد النظام، بما في ذلك الساحل أي معقل الموالاة للنظام.

اندلاع المظاهرات في السويداء يمكن أن يمثل شرارة انتفاضة واسعة النطاق، يتوقف هذا على عدة أمور أهمها طرق استجابة النظام للحدث وأساليب المواجهة التي سيعتمدها، وما من شك أن شعور الإيرانيين بالخوف من فقدان سلطة بشار الأسد لا يقل عن الأسد نفسه؛ لأن جميع مصالحهم مرتبطة به، ما يعني أنهم سيفعلون المستحيل كي لا يؤدي أي حراك إلى الانتشار وتهديد بقاء النظام.

هناك دعم جماهيري لهذه التظاهرات، كيف يكمن هذا الدعم أن يؤثر فعلياً على مجرى الأحداث هناك؟

الدعم الجماهيري الآن مهم للغاية، وكلما اتسع نطاقه كان تأثيره أكبر، واحدة من أهم التحديات التي تواجه استمرار الحراك، فيما لو أهملنا قليلاً ما سيقوم به النظام، هو انتشاره، بقاء الحراك في السويداء يهدد بانتهائه، ومن المحتمل أن يترك النظام هذا الحراك مستمراً إذا بقي محصوراً في السويداء، ويتفنن في أساليب التضييق على السكان حتى يتوقف.

لكن إذا انتشر الحراك فإن النظام سيفقد السيطرة والقدرة على المبادرة والمناورة.

مع استمرار هذا الحراك، هل تتوقع أن يستمر لفترة طويلة، وإلى متى ممكن أن يستمر؟ وخاصة مع تعنّت نظام أسد وعدم تجاوبه مع هذه المطالبات الشعبية؟ 

يتوقف استمراره على تحوله إلى حراك وطني ممتد، أي أن يتسع وينتشر في أماكن سيطرة النظام ويتلاقى مع الحراك الثوري المدني في المناطق المحرر، كما يتوقف على التسليح، يجب أن يبقى الحراك مدنياً ليستطيع الانتشار في تلك المناطق ويوسع دائرة التضامن معه، بدون ذلك إذا بقي الحراك محصوراً في السويداء فهو مهدد بالتوقف والفشل، ونأمل ألا يحدث ذلك.

هل سيتم إتباع هذا الحراك التظاهري بخطوات لاحقة؟ أم أنها تقف حاليا عند مسألة التظاهر دون وجود حركة إلى الأمام؟

لقد فعل أهالي السويداء ما عليهم الآن عندما بدأوا الإضراب وأطلقوا المظاهرات وطالبوا بإسقاط النظام، ما يجب عليهم هو الحفاظ على روح الحراك متقدة، وحماية الحراك من الانزلاق نحو السلاح والاقتتال الداخلي والتهديدات الأخرى المحتملة، خاصة من قبل النظام، كما يجب على الآخرين أن يتواصلوا معهم ويقدموا لهم يد العون للاستمرار، وينسقوا مع جهات أخرى الحراك السلمي خارج السويداء مع حراك السويداء، يجب التعويل على مساهمة السوريين أنفسهم لتمكين هذا الحراك من التجذر والاستمرار وتقديم الدعم اللازم له للبقاء، من خلال الاستفادة من الخبرات السابقة.

التظاهر هو أول خطوة في الحراك فقط، قد يكون عليهم طرد مؤسسات النظام السلطوية (الأمن والجيش والحزب) والعمل على إنشاء مجالس محلية لإدارة الأحياء والقرى والبلدات، هذه يمكن أن تكون الخطوة التالية، لقد أغلقوا مقرات حزب البعث وطردوا المسؤولين منها، هذه خطوة جيدة وضرورية. 

من أجل خطوات أخرى أبعد يجب أن يشكل السوريون تواصلاً منظماً مع الحراك في السويداء ومساعدته بالاتصال الدولي والتنسيق مع المجتمع المدني ومع الحراك السلمي في أماكن أخرى من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام وحلفائه.

سابقاً تدخل النظام بما يسمى “الضامن الروسي” وبإعطاء بعض الوعود لأهل السويداء التي لم يروا منها شيئاً! هل سيصدق أهل السويداء ذلك مرة أخرى في حال حدوث حدث مشابه مجدداً؟ 

واحد من التهديدات التي يجب أن نكون قد تلقينا درساً بليغاً فيها في السنوات الثلاثة عشر الماضية هي إحداث انقسام في المجتمع في منطقة مستهدفه باستخدام التهديد العنيف جداً بيد وعرض التفاوض بيد أخرى، سواء أكان هذا عبر وسيط أم بدونه، هذا سيقسم المجتمع على الفور بين طرف يدعوا لتحقيق الحد الأدنى من المكاسب وبين طرف يرى في التفاوض خيانة وخسارة مؤكدة لفرصة قد لا تتكرر للتغيير والتخلص من هذا النظام الرهيب للأبد، وأنه لا يمكن الرجوع إلى الوراء لكثير من الأسباب بينها أنه لا يمكن الوثوق بأي من تعهداته. 

إذا عرف النظام كيف يدير هذه اللعبة ولم يستطع أهالي السويداء مواجهتها منذ البداية بالتأكيد سيحدث الانقسام، وسيعزز فرص النظام للسيطرة على الحراك وإخماده.

مع اتساع رقعة التظاهرات. برأيك كيف سيتعامل نظام أسد مع هؤلاء المتظاهرين؟ 

إذا اتسعت المظاهرات سيكون من الصعب عليه تجاهلها، ولهذا سيسعى من البداية لمراقبة ظهور بداية حراك سلمي مناهض له في أي مكان، ومواجهته بالاعتقالات الجماعية والتغييب في السجون، وهو أمر قام به بالفعل مع ظهور بداية حراك سلمي مناهض للنظام في الساحل، وسيفعل الأمر نفسه في كل مكان يحدث فيه ذلك، يريد حصر الحراك بالسويداء. 

إذا تطور الحراك إلى مستويات يصعب السيطرة عليها بالاعتقالات وفي السويداء فإنه سيلجأ على الأغلب للقوة العسكرية،  ولكنه سيلجأ لها كآخر وسيلة، وقد ترتد نتائجها عليه لأن السويداء لديها حراك مسلح، هنالك فصائل متعددة مسلحة منذ وقت طويل ولديها خبرة في الأعمال العسكرية، والخوض في معارك معها ليس أمراً سهلاً، ليس فقط لأنها تملك الخبرة والرجال والسلاح بل لأنها أيضا تحظى الآن مع الحراك بشرعية غير مسبوقة، ما يعني أن أي تهديد بالسلاح سيزيد من أعداد المتطوعين في صفوفها كثيراً كما أنها ستحظى بدعم اجتماعي كبير لم تكن تحظى به من قبل.

يجب على السوريين وأصحاب الخبرة السابقة والناشطين العمل على التنسيق وتقديم الدعم للحراك السلمي في السويداء وكسر عزلته، وتطويره بكل ما يمكن.

عندما بدأ الحراك الشعبي عام 2011 كان الشعب أعزلاً ولم يستطع رد قمع قوات النظام عليه، أما اليوم فهناك فصائل مسلحة جاهزة ومتمركزة في مناطق الحراك الجديد سواء في السويداء أو حتى في درعا، هل سنشهد تدخلاً لهم فيما حاول النظام استخدام السلاح ضد المدنيين كما فعل في 2011؟

الأعمال العسكرية الآن محصورة في درعا بالنظر إلى أن درعا كبيرة للغاية ولديها انتشار واسع فيها، والفصائل منقسمة فيها، كما أنه سيكون أمراً اعتياديا للأسف القيام بعمليات عسكرية ضد السكان في درعا، في حين أن القيام بمثل هذه العمليات في السويداء سيكون له تبعات أكبر، لأن الدروز أقلية ولها وضع خاص، ما يجعل التعاطي معهم أمر له حساسيته السياسية الخاصة. لذلك كما قلت سيكون آخر ما سيلجأ إليه السلاح وسيكون عليه استنفاذ كل الوسائل للوصول إلى مثل هذا القرار الصعب، ومع ذلك تعلمنا في السنوات السابقة أن لا شيء يمكن أن يمنع النظام من ارتكاب أعمال وحشية تضر بسمعته ما دامت تبقيه على قيد الحياة.

مقابلة صحفية مع د. عبد الرحمن الحاج
مركز مقاربات للتنمية السياسية

شاهد أيضاً لقاء مع مجموعة من شباب الثورة للحديث حول أسباب ومآلات الحراك الشعبي الجديد في سوريا

أسباب ومآلات الحراك الشعبي الجديد في سوريا || منبر مقاربات الشبابي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top