Search

القصف الإسرائيلي على سوريا استراتيجية ردع أم دافع لبناء جيش جديد بتسليح متطور؟

شكل سقوط نظام الأسد حدثاً هاماً ودراماتيكياً مزلزلاً على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، وذلك لانخراط عدة فواعل دولية في الشأن السوري.

كانت إسرائيل وإيران الخاسران الأكبر في هذه الحرب، وكان الشعب السوري هو الرابح الأكبر، إذ أتيح له المجال لبناء دولته التي يحلم بها بعيداً عن الاستبداد والهيمنة التي طالت رقاب الشعب السوري لسنوات طويلة.

البنية الأساسية لنظام الأسد: خدمة الاحتلال الإسرائيلي تحت ستار الممانعة

بعيد احتلال الجولان السوري، وانضمام سوريا الأسد إلى محور الممانعة الإسمية، شهدت الجبهة السورية الإسرائيلية سباتاً طويلاً لم تطلق خلاله رصاصة واحدة تجاه دولة الاحتلال، واكتفى الأسد بشن المعارك الإعلامية على شاشات التلفاز مؤدياً الوظيفة الحقيقة الموكلة إليه، وهي حماية هذا الكيان اللقيط وتبريد الجبهة الشمالية ومنع أي خروقات أمنية أو تهديدات عسكرية تجاهه، مقابل الدعم الدولي الذي يكفل له عوامل البقاء والاستمرار…

وما إن سقط نظام الأسد حتى هرعت دولة الاحتلال إلى التوسع داخل الأراضي السورية، مستغلة الضعف الأمني والعسكري نتيجة التحول والانتقال العنيف للسلطة في إشارة إلى انتهاء عهد الأمان، وانتهاء الوظيفة التي كانت منوطة بالنظام المخلوع.

فبدأت مئات الغارات والطلعات الجوية لتحييد وإضعاف ومنع استقرار القوة الوليدة في دمشق خوفاً من القادم الجديد، ورغم تصريحات القادة الجدد في سوريا، وتعهدهم ألا تكون دمشق منطلقاً لأي أعمال تهديدية وعدوانية تستهدف الدول المحيطة والمجاورة لها.

الأوراق الإسرائيلية للتدخل في الشأن السوري:

سعت دولة الاحتلال إلى توظيف استراتيجيات متعددة لضمان استمرار حالة الضعف والانقسام في سوريا عبر الآتي:

1- الأعمال العسكرية: نفذت دولة الاحتلال مئات الغارات والطلعات الجوية والعمليات التوسعية العسكرية المباشرة مستهدفة البنية التحتية العسكرية السورية، من مطارات ومقرات ومراكز تدريب وبحوث علمية ومخازن أسلحة، فقصفت مطار حماة العسكري ودمرته بشكل كامل، كما طال القصف مطار التيفور والمزة العسكري وثعلبة والبحوث العلمية في حلب ودمشق، بغية فرض واقع جديد يضمن لها التفوق العسكري على عموم المنطقة.

2- تغذية النزعات الطائفية والانفصالية بين المكونات السورية:

عملت إسرائيل على تأجيج النزعات الانفصالية ضد حكومة دمشق، حيث طالبت بحماية الأقليات، وعملت على تشجيعهم على المطالبة بالانفصال، كما هو الحال في السويداء مع المكون الدرزي، وساهمت في نشر دعاية الإبادة الجماعية كما في الساحل السوري، وعقدت لقاءات وقدمت وعود لمليشيا قسد لذات الأهداف والأسباب في تدخل سافر في الشأن السوري الداخلي.

3- استغلال الضعف الاقتصادي لكسب النفوذ:

قامت دولة الاحتلال بإرسال مساعدات غذائية إلى الجنوب السوري، في محاولة لكسب قلوب وعقول السكان في محافظتي درعا والسويداء، الأمر الذي قوبل بإحراقها في درعا، في رسالة واضحة تؤكد الانتماء والتوجه نحو دمشق لا تل أبيب..

كما حاولت استمالت الشباب الدرزي، بوعد عبر السماح لهم بالعمل في الجولان السوري المحتل في محاولة لاختراق النسيج السوري هناك.

أهداف إسرائيل من زعزعة الاستقرار في سوريا:

تهدف إسرائيل من وراء تدخلها في سوريا إلى تحقيق عدة مكاسب استراتيجية منها:

1- حرمان دمشق من ترسانتها العسكرية حيث يرى نتنياهو في رئيس سوريا أحمد الشرع سنوراً جديداً، وفي حكومة دمشق حركة حماس ثانية، مما يدفعه لمنع بروز تلك القوة العسكرية في دمشق والإبقاء على حالة الضعف.

2- تقسيم سوريا إلى كيانات طائفية: تسعى إسرائيل إلى تفتيت سوريا إلى دويلات وأقاليم صغيرة متناحرة (سنية ودرزية وعلوية وكردية ومسيحية)، لضمان انشغالها بالصراعات الداخلية، ومنعها من تشكيل قوة موحدة تهدد الاحتلال.

3- الاستحواذ على الثروات الطبيعية: تسعى إسرائيل إلى السيطرة على الموارد المائية في جنوب غرب سوريا، حيث أن المياه الطبيعية التي تسيطر عليها حديثاً، تعادل أضعاف المتوفر لديها، مما يعزز أمنها المائي على حساب السوريين.

4- توسيع نطاق نفوذها الإقليمي: تريد إسرائيل الإبقاء على المناطق التي توسعت بها في الداخل السوري، وتسعى للاقتراب من عواصم دول أخرى، كما في الحالة الأردنية، لإحكام السيطرة على تلك الدول وإخضاعها بشكل أقوى.

الاستراتيجية السورية في مواجهة الصراع مع دولة الاحتلال:

 في مواجهة هذا التدخل الإسرائيلي تعتمد دمشق على مزيج من القوة الناعمة والقوة الصلبة لحماية سيادتها وأمنها:

استراتيجية القوة الناعمة: تركز دمشق على استخدام الدبلوماسية والإعلام وحشد الرأي العام الإقليمي والدولي لإدانة الاحتلال، وإجباره على الانسحاب والتوقف عن الأعمال العدائية وانتهاك السيادة السورية، حيث تفرض نفسها كعامل استقرار في المنطقة والعالم أجمع.

فالعالم اليوم يحتاج إلى سوريا القوية، اقتصادياً وأمنياً وعسكرياً، لمحاربة الإرهاب، وإيقاف تصدير الكبتاغون إلى عواصم العالم، ولاستبقال اللاجئين السوريين الذين هجرتهم آلة القتل التابعة للنظام المخلوع.

استراتيجية القوة الصلبة:

– التحالفات العسكرية:

 تهدف سوريا إلى عقد اتفاقيات دفاع مشتركة مع بعض الدول الحليفة، والسماح لها ببناء قواعد عسكرية، مما يضمن بذلك امتلاك أدوات القوة الحقيقية عبر السلاح النوعي، كما هو الحال والوضع في تحالفاتها مع الحليف التركي الأمر الذي سينعكس على أمنها واستقرارها ووحدتها.

ـ المطالبة برفع العقوبات الدولية، الأمر واستعادة الأموال المجمدة والإسراع بإعادة الإعمار:

حيث سينعكس ذلك على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، مما سيُشعر المواطن السوري بتغير ملموس سيعزز موقف القيادة الجديدة لدى المواطنين والأقليات، ويمنحهم المزيد من الثقة، والتوجه نحو دمشق كعاصمة واحدة لهم.

لا أشك أن الغارات الجوية الإسرائيلية رغم خطورتها، وأثرها السلبي على المخزون الدفاعي السوري، وعوامل الاستقرار، إلا أنه يمكن النظر إليها من زاوية أخرى، إذ أن هذه الضربات الجوية واستشعار الخطر الإسرائيلي، سيكون دافعاً للقيادة الجديدة في دمشق، لبناء جيش حديث قوي بتسليح متطور، تعوض بذلك ما تم تدميره من معدات وبنية تحتية.

فهل شهدنا بداية التحول والإعداد والتطوير نحو هذا الجيش أم بداية بقاء سوريا في دوامة الضعف والفوضى وشبح التقسيم؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top