يومٌ تاريخي في حياة السوريين
في لحظة فارقة من تاريخ سوريا، أُعلن عن رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على البلاد، في خطوة انتظرها السوريون طويلاً بعد سنوات من المعاناة والشتات والحصار.
كانت جهود المملكة العربية السعودية حاضرة للوصول الى هذه النتيجة.
هذا اليوم ليس مجرد حدث سياسي، بل علامة على نهاية مرحلة مظلمة وبداية مشروع وطني جديد لسوريا ما بعد الاستبداد. ومع هذا التحول، تتجه الأنظار إلى الحكومة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، وإلى القوى الوطنية كافة، لترجمة هذه اللحظة التاريخية إلى واقع يلمسه المواطن السوري في حياته اليومية.
العقوبات: لماذا فُرضت؟ ومتى؟
فرضت العقوبات الأمريكية على النظام السوري منذ بدايات الثورة السورية في عام 2011، ضمن رد فعل دولي على الجرائم المرتكبة بحق الشعب، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وقد توسعت هذه العقوبات مع الوقت لتشمل قطاعات اقتصادية واسعة وشخصيات مسؤولة عن القمع والفساد، وكان قانون “قيصر” أحد أبرز أدواتها، حيث وثّق عبر آلاف الصور حجم الإجرام الذي مارسه النظام بحق المعتقلين.
لم تكن العقوبات هدفاً بحد ذاتها، بل وسيلة للضغط على النظام للرحيل وإنهاء الحقبة الاستبدادية، وهي اليوم تُرفع بعد سقوط هذا النظام، استجابة لتغير جذري في بنية السلطة السياسية.
ثمن الحرية: مليون شهيد وملايين المهجرين
رفع العقوبات لا يعني أن المحنة قد انتهت، بل هو تتويج لمسيرة طويلة من التضحيات الجسيمة، دفع فيها السوريون ثمناً باهظاً في الأرواح والمنازل والمستقبل. مليون شهيد، وملايين اللاجئين والمهجرين في الداخل والخارج، هم الشاهد الأعظم على أن التغيير لم يكن مجانياً، بل جاء عبر نهر من الدماء، ووجع جماعي لا يمحوه سوى عدالة انتقالية حقيقية، وإعادة إعمار تعيد الكرامة لأصحاب الأرض.
ما المطلوب من حكومة الشرع؟
إن رفع العقوبات يفتح الباب أمام الحكومة الجديدة لتحمل مسؤولياتها التاريخية. وهنا تتجلى أهمية حكومة الرئيس أحمد الشرع، التي تواجه اختباراً مفصلياً في عمر الدولة السورية الجديدة.
أول هذه الواجبات هو ترسيخ مبدأ المشاركة السياسية الفاعلة، فالحكم في المرحلة المقبلة لا يمكن أن يكون امتداداً لمركزية مستبدة، بل يجب أن يبنى على شراكة حقيقية بين مختلف القوى الوطنية، تُعلي من مصلحة الوطن على حساب المصالح الفئوية أو المناطقية.
سوريا الجديدة: لا مكان فيها للمستبدين
المرحلة القادمة لا تتحمل عبء عودة الاستبداد بثوب جديد، فالشعب السوري الذي أسقط النظام بوعيه وتضحياته، لن يقبل بإعادة إنتاج أدوات القمع والتهميش. سوريا الجديدة يجب أن تكون وطناً لكل أبنائها، دولة تقوم على سيادة القانون، والفصل بين السلطات، وتكافؤ الفرص، وحرية التعبير.
وهذا يتطلب جهداً مجتمعياً مواكباً، يُسهم فيه الجميع عبر رفع الوعي السياسي، وتطوير التعليم، ودعم الإعلام الحر، وتعزيز قيم المواطنة.
إعادة الإعمار: مشروع وطني جامع
لا يمكن الحديث عن سوريا جديدة دون الحديث عن إعادة الإعمار، ليس فقط للبنية التحتية، بل للروح الوطنية، والنسيج الاجتماعي، والمؤسسات المدنية. نجاح هذا المشروع مرهون بشراكة مجتمعية واعية، تدرك أن البناء لا يكون فقط بالإسمنت والحديد، بل بالعدالة، والمصالحة، وتمكين الأفراد للمشاركة في تقرير مصيرهم.
خاتمة: نجاح الجميع أو فشل الجميع
إن نجاح المرحلة المقبلة لا يُحسب لحكومة الشرع وحدها، بل هو نجاح جماعي لكل سوري آمن بالتغيير، وسعى إلى تحقيقه، وشارك في صناعته. أما الفشل – لا قدّر الله – فسيكون فشلاً جماعياً يدفع ثمنه الجميع، ويؤخر انبعاث الدولة السورية لعقود قادمة.
لذلك، فلنكن جميعاً على قدر اللحظة، ولنجعل من هذا اليوم التاريخي بداية حقيقية لبناء وطن يليق بتضحيات أبنائه.