في ظلّ الصِّراع المُتصاعِد في السُّودان تتَّجه البلاد نحو سيناريوهات غالبيّتها قاتمة. فمع دخول الصراع في السودان أسبوعه الثاني وفي ظلّ تكافؤ قُوَى الصِّراع. فإنَّ سيناريوهات الحَسْم العسكريّ لأيّ طرف تبدو ضعيفة. ما يعني احتمال استمرار الصِّراع لأمدٍ طويلٍ وتحوّله لحرب أهليَّة، قد تنتهي بتقسيم السُّودان.
سيناريوهات الصراع في السودان واحتمالات الحسم العسكري
سيناريو حَسْم المعركة لصالح الجيش السوداني خلال فترة قصيرة يُعدّ ممكناً وإن كان غير مُرجَّح. وفي حال تمَّ هذا الأمر فمن المُتوقَّع أن يتمَّ إلغاء الاتِّفاق الذي تمَّ التَّوصُّل إليه في ديسمبر الفائت. وذلك نتيجة تغيُّر ميزان القُوَى السِّياسيَّة والعسكريَّة.
تُعدّ احتمالات حَسْم المعركة لصالح قوات الدعم السريع منخفضة. خاصَّةً في ظلّ تراجُع الدَّوْر الإقليميّ لها، ممَّا يعني تراجُع الدَّعْم المُقدَّم لها سياسياً وعسكرياً. ولكن في حال تَمكُّنها من حَسْم المعركة لصالحها فسيناريو الفَوْضى السِّياسيَّة والعسكريَّة يُعدّ مُرجّحاً.
اليمن والصراع في السودان
تُعدّ الخِبْرَة السِّياسيَّة لقائد الدعم السريع حميدتي مُنخفِضَة، ففي ظِلّ حاجته المُلِحَّة لدَعْم إقليميّ قام بمُعادَاة الدُّوَل الإقليميَّة. من خلال ادّعائه بأنَّ دولاً عديدة تدعم الجيش السُّودانيّ دون تقديم أدلَّة على ذلك.
حَسْم الصِّراع لصالح الدعم السريع يتطلب دعماً بالسِّلاح النَّوعيّ، لا سيَّما الطَّائرات المُسيَّرَة. وعلى ما يبدو فلا وجود لهكذا دَعْم حالياً، كما أنَّ الدُّوَل الإقليميَّة تبدو راغبة بتحجيم دَوْر الدعم السريع، خاصَّةً مع تصاعُد الاحتمالات بحلّ سياسيّ في اليمن. وهو ما يعني انتهاء دَوْر الدعم السريع كقُوَّة مُهمَّة في صراع اليمن.
الموقع الدولي والإقليمي من الصراع في السودان
تدعو القُوَى الإقليميَّة والدوليَّة طَرَفَي الصراع في السودان للتهدئة، ولكن حتى الآن لا يبدو أنَّ هناك ضَغطاً فِعْلياً للدُّخول في مفاوضات، وهذا ما قد يُفسَّر على أنَّه رضاً بالوضع الرَّاهن، خاصَّةً أنَّ الدَّوْر الإقليميّ لقُوَّات التَّدخُّل السَّريع قد تَراجَع، لذلك فالصِّراع يُشكِّل فُرصةً للتَّخلُّص من الدَّعْم السَّريع، ولكنَّ هذا التَّفسير لا بُدَّ أن يقترن بدَعْم عسكريّ للجيش.
إنَّ اقتصار المَوقِف الدّوليّ والإقليميّ من الصراع في السودان على الدَّعوة إلى التَّهدئة. دون أن يَترافق بضَغْط دبلوماسيّ وسياسيّ حَقيقيّ على طَرَفَي الصِّراع؛ يُشِير إلى وُجُود مصلحةٍ دوليَّةٍ ما في استمرار الصِّراع وتَصاعُده.
أثر الصراع على المنطقة
يَمتدّ الأثر السَّلبيّ للصراع في السودان ليَطال البُعْد الإقليميّ وحتى الدّوليّ؛ فالمنطقة باتِّجاه التَّهدئة، ولا يرغب أحدٌ بصراعٍ جديدٍ، والمُتضَرِّرُون منه كثيرون، فإمدادات نَفْط جنوب السودان قد تتأثَّر سلباً، كما أنَّ مصر تخشى أن يُؤثِّر الصِّراع بشكلٍ أو بآخر على قضيَّة سدّ النَّهضة، والدُّوَل المُجاوِرَة تخشى من تدفُّق اللَّاجئين إليها.
على الرغم من الدَّعوات المُستمِرَّة إقليمياً ودولياً للتهدئة، وإن كانت تهدئةً مُؤقَّتة، إلا أنَّ طرفي الصِّراع لم يَمْتَثِلا لها، ما قد يَقُود البلاد لحربٍ أهليَّةٍ قد تنتهي كما انتهى الصِّراع في إقليم دارفور بتقسيمٍ جديدٍ للسُّودان.
بَعد تَصاعُد حدَّة الصِّراع قامت العديد من الدُّوَل العربيَّة والغربيَّة بإجلاء رعاياها وبعثاتها الدبلوماسيَّة. مثل مصر وغالبيَّة دُوَل الخليج العربيّ وفرنسا وألمانيا وهولندا والولايات المتَّحدة الأمريكيَّة وغيرها من الدُّوَل. وإجلاء الرَّعايا يُعدّ دلالةً على أنَّ الدُّوَل تتوقَّع تَدَهْوُر الأوضاع في الأيام المُقْبِلَة.
إعلان الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة في 17 أبريل عدم وجود خطَّة لإجلاء رعاياها. وبعد خمسة أيام وتحديداً يوم 22 أبريل قامت بإجلاء رعاياها. هو دلالة على وجود معلومات استخباراتيَّة أنَّ الصِّراع في السُّودان في طريقه للتَّأزُّم، أو على الأقل لن يَشْهد تهدئةً حقيقيَّة في المدى المَنْظُور.
ثروات السودان والأسباب الحقيقية للصراع
تبدو أسباب الصِّراع السُّودانيّ المُعلَنَة؛ والتي تَتَمثَّل بخلافٍ عسكريّ وسياسيّ بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع غير كافية. خاصَّةً في ظلّ غياب فاعليَّة دوليَّة حقيقيَّة للضَّغط على أطراف الصِّراع للدُّخول في مفاوضات، لذلك فقد تكون أسباب الصِّراع الحقيقيَّة غير ذلك.
يُعدّ السُّودان من الدُّوَل الغنيَّة بالثروات، فهو من أهمّ الدُّوَل الإفريقيَّة في إنتاج الذَّهَب. ويُقدَّر احتياطيه بـ 1,550 طنّ، ويملك 1,500 طنّ من الفضَّة، و 5 ملايين طنّ من النّحاس. و 1,5 مليون طنّ من اليورانيوم، إضافةً لمخزون جيّد من النَّفْط، كما أنَّ ثَرواته الزِّراعيَّة ضَخْمَة، ففيها أكثر من 150 مليون رأس من الماشية.
جزءٌ كبيرٌ من ثَروات السُّودان، وعلى رأسها الذَّهب تَدْخُل السُّوق الدوليَّة بطرق غير شرعيَّة. وتُعدّ قُوَّات فاغنر الروسية شريكًا رئيسًا لقوات الدعم السريع في استخراج الذَّهب وبيعه في السُّوق السَّوداء. هذا بالإضافة لجهود أجهزة استخبارات من دُوَل أخرى في السُّودان. جزءٌ كبيرٌ منها يسعى وراء الذَّهب.
الاستقرار السِّياسيّ والاقتصاديّ يُشَكِّل عقبةً أمام دُخُول الذَّهَب والثَّروات الأخرى إلى السُّوق السَّوداء، وهو ما قد يكون أحد أسباب تأجيج الصِّراع؛ كما أنَّ زيادة حدَّة الصِّراع قد تكون مَدْخلاً لإدخال قوَّات إقليميَّة أو دوليَّة إلى السُّودان، وهو ما بمثابة تَدخُّل اقتصاديّ وسياسيّ في هذا البلد الغنِيّ.
السودان…موقع استراتيجي مهم
الموقع الاستراتيجيّ للسُّودان يُعدّ مِيزَة مُهمَّة، وهو ما دفَع موسكو للعمل على التَّحالُف مع حميدتي لإنشاء قاعدة عسكريَّة على البحر الأحمر، كما أنَّ الاستخبارات الإيطاليَّة تتعاون مع حميدتي، والملاحة في البحر الأحمر تُعدّ شريانًا رئيسًا في الاقتصاد العالَميّ، وهذا الموقع الاستراتيجيّ مُشترك بين الدُّوَل المُطِلَّة على البحر الأحمر.
إطالَة أمَد الصراع في السودان قد يكون مَدْخلاً لتهديد الملاحة في البحر الأحمر، كما حدَث مع الصومال عندما هدَّدت الملاحة البحريَّة قُرْب سواحلها، وهذا ما يُشَكِّل ضَغْطاً على كلّ من السُّعوديَّة ومصر، فالصِّراع من شأنه خَلْط الأوراق إقليمياً ودوليّاً، خاصَّة في ظلّ اتّجاه المنطقة للتَّهدئة.
إنَّ تَحوُّل الصراع في السودان إلى حرب أهليَّة من شأنه تهديد الاستقرار الإقليميّ، وهو ما يُعدّ نكسة لجهود المُصالَحة التي تُسيطر على المُناخ السِّياسيّ العامّ، لذلك من المُتوقَّع أن تقوم الدُّوَل الإقليميَّة بالتَّدخُّل سياسياً للحَدّ من تفاقُم الصِّراع.
د. يحيى السيد عمر