جُذُور الحرب على غزة وصراع المحاور الدولية

جُذُور الحرب على غزة وصراع المحاور الدولية

ُيواجه قطاع غزة احتمالاً مرتفعاً لاجتياح بري، وهو ما يعني احتمالات مرتفعة لدخول المنطقة في صراعٍ طويل الأمَد، خاصَّةً أنَّ إعادة احتلال القطاع ليست بالأمر السَّهل، ولكنَّ إقدام إسرائيل على عمليَّة بريَّة واسعة النِّطاق في غزة تُعدّ مُغامَرة خَطِرة، ما يَدفع للقول بوجود مكاسب استراتيجيَّة لإسرائيل تعادل أو تفوق الخسائر التي يمكن أن تواجهها في الحرب على غزة.

قطاع غزة والمَمرَّات التجاريَّة الدّوليَّة الكبرى

في إطار التَّنافُس الدّوليّ الصيني الأمريكي، يسعى كلّ قُطب للسَّيطرة على التّجارة الدّوليَّة وممرّاتها الاستراتيجيَّة، فالممَرّ الصِّيني “الحزام والطريق” والذي يُعدّ الأكبر والأهمّ، يسعى لرَبْط كلٍّ من آسيا بإفريقيا بأوروبا عبر شبكة هائلة من المَمرَّات البريَّة والبحريَّة، والذي قد يُفْضِي لسيطرة صينيَّة على الاقتصاد العالَميّ.

لمُواجهة المشروع الصيني أطلقت الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة مشروعاً جديداً منافساً للصيني، يربط الهند بدُوَل الشَّرق الأوسط ومنها إسرائيل فأوروبا، المشروع الأمريكي ليس تجاريّاً فحسب، فهو استراتيجيّ يسعى للضَّغط على المشروع الصِّينيّ.

المشروع الأمريكي بالغ الأهميَّة بالنِّسبة لإسرائيل على عدَّة مستويات؛ فهو مَدْخل لرَبْطها اقتصادياً بدُوَل العالم، كما أنه يُعزِّز من آمالها في استثمار الغاز ورَبْطه بأوروبا، والأهمّ كونه مَدْخلاً للتطبيع مع العديد من دُوَل الشَّرق الأوسط، فإسرائيل من أبرز المستفيدين من هذا المشروع، هي والولايات المتَّحدة.

موقع قطاع غزة والمشروع الأمريكيّ

ربط المشروع الأمريكيّ السُّعوديَّة بإسرائيل بشبكة خطوط حديديَّة، ومن إسرائيل سيتمّ الرَّبط عن طريق الموانئ بأوروبا، وهذا ما يجعل من قطاع غزة نقطة اتِّصال رئيسة في المشروع، وفي ظلّ الوَضْع الحالي لقطاع غزة، على المستوى الديمغرافيّ والأمنيّ والسِّياسيّ تبدو قُدْرة إسرائيل والولايات المتَّحدة على تنفيذ المشروع محدودة.

العمليَّة البريَّة التي تعتزم إسرائيل بموجبها احتلال قطاع غزة، قد تكون مَدْخلاً لفرض واقع جديد في القطاع، من غير المُستبعَد أن يكون تمهيداً لتهجير سُكّان القطاع، وتغيير بنيته الديمغرافيَّة، والقضاء على فصائل المقاومة الفلسطينيَّة؛ تمهيداً لتنفيذ المشروع الأمريكيّ.

الحرب على غزة بين المشروع الأمريكي والمواقف الإقليميَّة

المشروع الأمريكي يتطلَّب تغييراً جذريّاً في البِنْيَة الديمغرافيَّة والسِّياسيَّة لقطاع غزة، تحقيقاً لمصالح إسرائيل، لكنَّ المشروع في ذات الوقت يَضُرّ بالمصالح الاستراتيجيَّة لدُوَل المنطقة، فالمشروع يَحُدّ من أهميَّة قناة السويس، ويُؤثِّر سلباً على تركيا.

الاجتياح الإسرائيليّ المُتوقَّع لقطاع غزة من شأنه دَعْم المصالح الاستراتيجيَّة لكلٍّ من إسرائيل والولايات المتحدة، وفي ذات الوقت يُشكِّل تهديداً استراتيجياً للدُّوَل العربيَّة ومنها مصر، فالاجتياح المُتوقَّع للقطاع قد يَدْفَع بعدَّة ملايين من الفلسطينيين باتجاه الأراضي المصريَّة، كما سيُهدِّد دور قناة السويس في حال تمَّ تنفيذ المشروع الأمريكيّ.

خطورة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لا تقتصر على البُعْد الإنسانيّ، فعلى الرَّغْم من الأهميَّة الكبرى لهذا البُعْد؛ إلَّا أنَّ الخطورة الاستراتيجيَّة للاجتياح تُحتِّم على الدُّوَل العربيَّة دَعْم الفلسطينيين، وذلك من منطلق إنسانيّ وقوميّ، ومن منطلق المصالح الاستراتيجيَّة والقوميَّة للدُّوَل العربيَّة.

د. يحيى السيد عمر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top